لقد نزل القرآن الكريم وقرينته السنةُ النبوية على رسولنا الكريم في أجزل عبارة، وأفصح تركيب، وأنصع كلام، تاه العرب لما سمعوه كل تيه، وحاروا لبلاغته وحلاوته وطلاوته، وتبين لهم مغزاه، واتساق لفظه ومعناه، وأحسوا أنه الحق الصراح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
فهو كلام الله الحكيم سبحانه، المحكم فلا يتطرق إليه لبس، الجلي فلا يخفى إلا على عميان البصيرة، أنزله الحميد، فيُحمدُ كل متبع لآياته، ويُمجد كل معظم لشأنه، ويُذم في مقابله كلُّ مخالف له، ويُذل كل مقصر في تطبيق حرامه وحلاله.
واكتمل الإسلام قبل موت سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، مصداقا لقوله تعالى:« اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا» المائدة:4، فلا يزيد فيه مما ليس منه إلا منافق زنديق، أو كافر يبغي تشويه صورته، أو جاهل لم يتفقه فيه، أو متأول ضال غلب عقله وأعجب برأيه فحكمه على الشرع.
وصار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على المحجة البيضاء، التي ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فبلغوا الإسلام التام التقي إلى من بعدهم، وبلغه أصفياء التابعيهم ومؤمنوهم إلى من بعدهم من أتباعهم، إلى أن وصلنا غضا طريا في يومنا هذا، وسيبقى مدى الدهر إلى أن يرد على النبي صلى الله عليه وسلم الحوض يوم القيامة.
هذا هو الإسلام الذي عرفه الناس قديما وحديثا، كتاب وسنة وفقه يمت بصلة إليهما، واجتهاد ينهل من معينهما، وتصنيف يبين مغزاهما، وتراث عظيم يدور حولهما، فما بال التصوف يغزو قلوب البعض؟
وما مراد الضجة المقامة لأجله؟
وما جدوى تشجيع الزوايا الطرقية في ديار المسلمين؟
ألا تكفينا المساجد العامة والخاصة؟
أو لا يكفينا الإسلام الصافي المكتمل قبل ظهور مصطلح التصوف؟
ثم ما الجديد المضاف من ابن عربي والحلاج وابن سبعين وغيرهم مما ليس في الإسلام؟
وأسئلة أخرى كثيرة يضيق المقام بسردها..
إنه لا يخفى أن العلماء -إلا من شذ منهم- قسموا التصوف بعد أن فشا في صفوف المسلمين إلى محمود ومذموم، وعرفوا المحمود -بناء على ما عاشه الزهاد الأوائل- بأنه الورع والتقوى والتعبد النابع من الكتاب والسنة، أي: اقتفاء الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في سنته الظاهرة والباطنة، والاقتداء به في مجمل حركاته وسكناته، من غير ابتداع في الدين ولا تحريف لنصوص الكتاب والسنة.
والإسلام العظيم الكامل في غنى عن كلمة (التصوف) وما نشأ عنها، ولا يضر الجاهل به شيء، وهم غالبية المسلمين، المتبعين للكتاب والسنة، والفقه المالكي السني البعيد عن التصوف وهرطقاته، لا يضرهم جهلهم بالحلاج ولا ابن الفارض… ولا بالأقطاب والأبدال والأوتاد، ولا يضيرهم الجهل بطلاسيم غلاة التصوف المارقين، الذين شوهوا بقصد معالم الدين النقي اليسير {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر} (القمر/17)، {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} (البقرة/184)، {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج/76).
أما التصوف المذموم، فقد حذروا منه ومن أصحابه، وأظهروا بالدليل القاطع والبرهان الساطع زغل وشطحات كبارهم وأسيادهم، وأبانوا بعلم عن خزعبلاتهم بما لا مزيد عليه.
وانظر إلى قول أحد المعاصرين في كتاب سماه: «التصوف والباراسايكولوجي: مقدمة أولى في الكرامات الصوفية والظواهر النفسية الفائقة» وهو يحدد مصطلحات ومفاهيم الصوفية المجمع عليها بين متصوفة العالم في القديم والحديث.
قال: «اتحاد: اندماج الذاتين لتصير ذاتا واحدة، وهي حالُ الصوفي الواصل، في مقابل انتفاء البعد الرابع (الزمن)، ويمثل الاتحاد أعلى مقامات النفس لدى الصوفية، ويصبح الواصل معه كأنه والبارئ شيء واحد، فيخترق الحجب، ويرى ما لا عين رأت ويسمع ما لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر..
أرباب القلوب: هم أهل الحقائق (مستودع الأسرار الإلهية.. وهم عين الله وقدرته)… إلهام: ما يُلقى في الروح بطريق الفيض.. الحيرة: بديهية ترد على قلوب العارفين عند تأملهم وحضورهم وتفكيرهم، وتحجبهم عن التأمل والفكرة، والحيرة هي الغرق في بحار العلم بالله، مع دوام النظر في توالي تجلياته تعالى، ومعرفته في كل تجلّ، وهي الغاية التي ينتهي إليها النظر العقلي والشرعي…
الشطح: كلام يترجمه اللسان عن وجد يفيض من معدنه، مقرون بالدعوى، إلا أن يكون صاحبه مستلبا… العارف: لا تحجبه الحجب عن ربه تعالى؛ لأنه في مقام العبودية؛ والعارف هو خلاصة الخلاصة.. العلم اللدني: علم الصوفية، وهو سريان الإلهام، ويكون لأهل النبوة والولاية.
قطب: عبارة عن رجل واحد، وهو موضع نظر الله تعالى من العالم في كل زمان، ويسمى (الغوث) أيضا، حيث يلتجئ إليه الملهوفون، وطبقا لروايات الصوفية ومفسري نصوصهم الإشارية، فإن القطب يماثل الرجل الخارق، فهو يحاكيه في قدراته النفسية والجسمية الفائقة، ويتخطى بأفعاله قوانين الطبيعة، وله من حرية الحركة ما ينفي أية حتمية فزيائية في الزمان والمكان والحركة» انتهى باختصار.
فهنيئا للصوفية أن كانوا أصحاب الفضل على أمريكا والغرب فيما اخترعوه من السوبرمان الخارق الذي لا يقهر، والذي ينصر الخير ويقضي على الشر.
وسار الكاتب يحكي من الجنون والسفه ما يشيب له الولدان، وتتفق على بطلانه الأديان، وينزل على معتقده سخط الرحمن، ومما قال أيضا: «زعموا أن السيد البدوي بعد أن مات قام فغسل نفسه، وبعد انتهائه من الغسل مات ثانية، وروي أن الحلاج أحيا جديا مشويا…».
فإياك أيها القارئ أن تُعمل دينك وعقلك!!!