بسبب ضعف الوازع الديني؛ والتساهل في تطبيق القانون، وتوفير الحرية لاقتناء الخمور واستهلاكها، استشرت ظاهرة شربها حتى أضحت لدى البعض كأنها من المباحات، ومضت الشركات المسوقة لهذا المشروب الخبيث تبذل وسعها لتوسيع دائرة شربه، عن طريق إشهاره وإغراء المواطنين بشتى الوسائل لاحتسائه.
وفي خطوة استفزازية أولى؛ وقبل بضع سنوات أقدمت القنصلية الفرنسية في مدينة مكناس على القيام بحفل لتذوق الخمور بشراكة الشركات المنتجة له في المغرب، تم خلالها عرض أنواع كثيرة من النبيذ والجعة.. واليوم ها هي شركة “براسري دومارك” تعيد الكرة مرة أخرى، وتحاول أن تنظم مهرجانا يدوم شهرا لإشهار أم الخبائث.
في ظل هذا التطبيع مع ظاهرة تعاطي الخمر نجد كثيرا من العلمانيين يستميتون في الدفاع عن بيعها، ويبذلون قصارى جهدهم لإيجاد غطاء لرفع التجريم عن شربها، فتارة يتدثرون بدثار حقوق الإنسان والحرية الفردية وحق المواطن في أن يفعل ما يشاء، وتارة أخرى يتدثرون بدثار الحرص على السياحة في البلد وتوفير كل ما من شأنه أن يرفع من نسبتها، غير عابئين إطلاقا بالحكم الشرعي المتعلق باحتسائها، بله ما تخلفه الخمر من مصائب ومآسي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والصحي..
فبالنسبة لهذا الفصيل الاستئصالي فالقانون الوضعي الذي يمنع بيع الخمر للمغاربة ويرتب عقوبة على ذلك، لا يعنيهم في شيء -وهم الذي يصدعون رؤوسنا دوما بحتمية الامتثال للقانون واحترامه!!!-، رغم أن هذا القانون الذي يضل وإلى اليوم معطلا، حيث أن هناك محلات كثيرة وحانات عديدة تقدم الخمور للمغاربة المسلمين جهارا نهارا، دون حسيب أو رقيب، كما أن بعض هذه الحانات -كما هو الشأن في الرباط مثلا- تجاور مدارس وثانويات، ما من شأنه أن يؤثر سلبا على هؤلاء التلاميذ، ويشوش على أذهانهم، ويغريهم بالوقوع في إدمان الخمور.
وبخصوص ما يثيره الاستئصاليون بأن الضرائب التي تجنيها الدولة من قطاع الخمور تدر مدخولا مهما لخزينة الدولة فهو قول أعور، لأن ما تخسره الدولة من أموال وموارد بشرية مقابل انتشار شرب الخمور هو أضعاف ذلك بكثير، ويكلف خزينة الدولة غاليا، فكم من شباب ضاعوا بسبب الخمر والكحول، وكم من الجرائم (قتل، هتك عرض، اغتصاب، زنا المحارم، سرقة، تخريب المنازل والمحلات التجارية، الشجارات الدامية..) ارتكبت بعد جرعات نبيذ، وكم هي المصالح الأمنية التي خصصتها الدولة لمحاربة ذلك، وكم من الطاقات والأوقات والإمكانيات الطبية التي تهدر في سبيل وقف النزيف الذي كان من ورائه إفراغ كؤوس في أجواف مواطنين ضعف الوازع الديني عندهم.. وتبقى أخطر نتائجه: الانحلال الخلقي.. وتفكيك الأسر.. وإزهاق الأرواح البريئة في حوادث السير وغيرها.
ومع هذا كله لا نعدم من يدافع عن الخمور وتناولها من العقلانيين الواقعيين العلمانيين.
فما أجلها من عقلانية وواقعية! بل ما أجهلها من علمانية!
لقد آن الأوان اليوم كي تعيد الحكومة النظر في سياسة التعامل مع ملف الخمور، وذلك باحترام الدستور أولا؛ الذي ينص على إسلامية الدولة، ثم بإجراء دراسة وافية، ومقارنة شفافة ونزيهة لما يكلف هذا المشروب الخبيث الدولة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والقيمي..
فالخمر مدمر للمجتمع.. مهدر لطاقاته.. مخرب لمقدراته.. ما يستوجب إعادة النظر على الفور في جدوى ترويجها وإشهارها، ووضع سياسة رشيدة تحفظ السلم المجتمعي وتجنب مؤسسات الدولة أعباء تثقل ميزانيتها وتشغل أطرها وتعطل طاقاتها.