التغطية التي أعدها موقع «هوية بريس» حول التوصية التي أعلنها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره الموضوعاتي يوم الثلاثاء 20 أكتوبر 2015 بخصوص الإرث؛ لم تكن لتمر دون أن تثير غضب كثير من الاستئصاليين، على اعتبار أنها استضافت عددا من الوجوه البارزة، وحاول معدوها أن يناقشوا الأفكار والمرجعية التي يصدر عنها المطالبون بتغيير حُكم العليم الخبير.
فلم يمض وقت كبير على نشر مقاطع مرئية على الجريدة الإلكترونية المذكورة حتى خصصت يومية «الأحداث» في عددها رقم 5733 الصادر يوم الجمعة 30 أكتوبر ورقة حولها، وركزت على وجهين فحسب ممن شارك في النقاش، وهما الشيخ حسن الكتاني، والأستاذ إبراهيم الطالب مدير أسبوعية السبيل.
واعتبر المنبر ذي المرجعية العلمانية أنه «من بين 97 توصية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان تهم وضعية المساواة والمناصفة في المغرب.. وحدها التوصية التاسعة التي أشارت إلى المقتضيات القانونية غير المتكافئة المنظمة للإرث.. تمكنت من إثارة غضب المنتقدين الذين اعتبروا مسألة الحديث عن الإرث تتجاوز اختصاصات المجلس الوطني لحقوق الإنسان لارتباطها بثوابت دينية لا تقبل فتح باب الاجتهاد».
فالإرث بالنسبة لهم، كما هو الشأن بالنسبة لغيره من الأحكام القطعية، يجب أن يخضع للاجتهاد العلماني الذي يجعل المصلحة تعلو على النصوص الشرعية.. ويدعو إلى قراءة جديدة للنصوص الشرعية تتجاوز الإنتاج التراثي الذي مرَّ عليه أربعة عشر قرناً.. ولم يعد يواكب عصرنا اليوم.
ولأجل تهريب هذه الأفكار داخل المجتمع، استعان المنبر المذكور بمتطرف مهووس بالجنس، لا يجيد كثيرا النفاق الذي يتقنه آخرون من بني نحلته، فأوجب على المغاربة مباشرة أن يكفوا «عن إنتاج اللامساواة الاقتصادية بين الرجال والنساء باسم إنصاف غير منصف (اليوم)؛ والذي لم يكن أبدا منصفا».
فالباحث الجنساني عبد الصمد الديالمي حاول ابتداء توظيف تاريخانية النصوص ليقنع القراء بأن حكم الله تعالى في الإرث كان يصلح لزمن من سبقنا لا لزماننا، إلا أنه لم يستطع أن يخفي قناعاته وما جاش به صدره؛ فصرح بعد أن ارتفعت نسبة الأدرينالين في جسده أن حكم الله تعالى لم يكن أبدا منصفا؛ وقال: «من الواجب أن نكف عن إعادة إنتاج اللامساواة الاقتصادية بين الرجال والنساء باسم إنصاف غير منصف اليوم، والذي لم يكن أبدا منصفا».
تعالى الله عما الظالمون علوا كبيرا.
وللإشارة فإن منبر الأحداث الذي نشر تصريح الديالمي الخطير؛ قد فرح طاقم منبره الإلكتروني فرحا شديدا وتأثروا غاية التأثر، حين أقدم مصطفى المنوزي رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف على زيارة مكتب عدلين وقرر تقسيم تركته بين أفراد أسرته بخلاف ما ورد في القرآن، فعنونوا للخبر بـ«رائع ومؤثر.. مصطفى المنوزي يساوي بين بناته وأبنائه في الإرث».
إذا كانت أغلبية المجتمع المغربي؛ كما نرى ونتابع؛ تتأثر حين تعيش لحظات إيمانية، وتكون قريبة من الوحي ومما أمر الله به، فإن هناك جزرا معزولة عن هذا المجتمع تتأثر لا أقول حين تبتعد عن أمر الله فحسب، بل حين تعطله وتقنع الناس بهذا التعطيل.
ولله في خلقه شؤون..