منذ صعود حزب العدالة والتنمية في تركيا، شهدت البلاد تحولا هائلا في الاقتصاد بشكل إيجابي مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي من 196 مليار دولار في عام 2001 إلى 823 مليار دولار في عام 2013.
وقد انعكس هذا على الخدمات العامة، بما في ذلك الصحة والتعليم والنقل، وكذلك على المعايير العامة للمعيشة.
اليوم، وعلى الرغم من تدفق اللاجئين وتزايد الهجمات الإرهابية على تركيا، لا يزال البلد واحدا من أسرع الاقتصادات نموا في أوروبا، مع معدل نمو بلغ 3.8% في الربع الثاني من هذا العام مما يجعله الاقتصاد الثالث الأسرع نموا في أوروبا.
وفي هذا التقرير الذي ترجمه موقع “الخليج الجديد”: تعد تركيا قائدا عالميا رائدا عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في البنية التحتية. وتقوم تركيا حاليا ببناء واحد من أكبر المطارات في العالم. وقد انتهت للتو من بناء جسر غازي عثمان رابع أطول جسر معلق في العالم، والذي كان واحدا من عدة مشروعات عملاقة في انتظار أن يتم الانتهاء منها.
وأيضا أخذ الجيش التركي نصيبه العادل من التقدم الذاتي على مرّ السنين، وبدأ يتحرك بعيدا عن التبعية الخارجية في المعدات العسكرية.
صعود العثمانية والخطاب الإسلامي ليس سرا أن الرئيس «رجب طيب أردوغان» وحزب العدالة والتنمية هم من الإسلاميين. وبالتأكيد، فإن النظام السياسي علماني الطابع، ولكن الحزب لا يخفي تعاطفه وشعوره الإسلامي.
وقد انتقد الرئيس «أردوغان» الغرب كثيرا عندما تعلق الأمر بقضايا السياسة الخارجية، بما يشمل القضايا المتعلقة بالربيع العربي، والصراع في مصر وسوريا، الأمر الذي أدى إلى سقوط مئات الآلاف من القتلى.
علاوة على الانتقادات المتكررة للاحتلال الصهيوني من جانب تركيا، التي تقيم علاقات جيدة مع حماس.
أما خارج المنطقة، فقد كانت تركيا واحدة من عدد قليل جدا من الدول المؤيدة للمسلمين المضطهدين في ميانمار. وسحبت تركيا سفيرها من بنجلاديش احتجاجا على إعدام قادة الجماعة الإسلامية، أكبر تنظيم إسلامي في بنغلاديش.
وهكذا فإن تركيا، على الأقل من الناحية الأخلاقية، لا تتماشى مع السياسة الخارجية الغربية ولا تخجل في الكشف عن ذلك. ومع ذلك، فإنها لا تعلن أنها تتعامل مع هذه القضايا كقضايا إسلامية، بل تتعامل مع ذلك في سياق مقاومة الظلم والقهر، والتضامن مع معاناة الناس.
أما محليا، فتركيا اليوم لم تعد تركيا «مصطفى كمال»، الذي رسخ العلمانية بقوة في تركيا وعمل على اضطهاد هويتها الإسلامية. اليوم، المرأة ليس لديها أي مشاكل في ارتداء الحجاب في المدارس أو مؤسسات الدولة. وخلال شهر رمضان الأخير، فتحت تركيا أكبر مسجد في البلاد، في إسطنبول، وأصبح التعليم الإسلامي مزدهرا.
وحديثا، أدرجت العربية في التعليم في المدارس العامة. وفي هذا العام، احتفلت تركيا بالذكرى 563 لفتح القسطنطينية (إسطنبول)، وهي السنة الثانية على التوالي من الاحتفالات بالذكرى السنوية، التي كانت محظورة تحت حكم «مصطفى كمال». وحضر الاحتفالات ما يقدر بنحو مليون شخص، وبدأ الاحتفال بتلاوات من القرآن الكريم، وشمل في وقت لاحق موسيقى الجيش العثماني وخطاب الرئيس «أردوغان» ورئيس الوزراء «بن علي يلديريم».
لم يكن من المتصور أن يحدث أيا من هذا قبل 15 عاما. الجيوبوليتيك تقليديا، كانت أوراسيا هي الجزء الأكثر أهمية في العالم بالنسبة للولايات المتحدة.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، واصلت أوروبا استضافة أكبر عدد من القوات الأمريكية خارج الولايات المتحدة. وقبل فترة طويلة، قبل أن يصبح الإرهاب العالمي أو صعود الصين من المواضيع ذات الأهمية، كانت السيطرة على أوراسيا في مواجهة الاتحاد السوفيتي من أولى اهتمامات السياسة الخارجية الأمريكية.
وفي حين أن روسيا أصبحت عدوانية على نحو متزايد، سواء في التصور أو في العمل على مدى السنوات القليلة الماضية (كما يظهر في جورجيا وأوكرانيا وسوريا)، إلا أن الحاجة ملحة لخطاب تجديدي أو سياسة متماسكة تجاه روسيا وأوراسيا قد تم تجاهلها إلى حد كبير. وبدلا من ذلك، يبدو أن الغرب قد انفجر على نفسه مع صعود اليمين المتطرف وكراهية الأجانب.
تقع تركيا في قلب أوراسيا، ونمو قوة تركيا يسمح لها أن تكون أكثر استقلالية مما قد يغير ميزان القوى في المنطقة. في حين يشعر العديد من المعلقين في منطقة الشرق الأوسط بأن تركيا شجعت لمواجهة روسيا ولكن حلف شمال الأطلسي تركها وحيدة واعتبر أن ذلك كان يهدف إلى إضعاف تركيا.
وقد أشار «زبيغنيو بريجنسكي»، أحد الأكاديميين الأكثر تأثيرا على السياسة الخارجية الأميركية، في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى”، أن أوراسيا ليست فقط هي المنطقة الأكثر أهمية للولايات المتحدة في العالم، ولكن أيضا لا ينبغي أن يسيطر عليها من قبل أي كيان آخر، ولا ينبغي أبدا أن يسمح للقوى الصاعدة فيها أن تتوحد.
لا غنى عن تركيا إن تركيا آخذة في الصعود كقوة إقليمية، مع هوية وطنية وأخلاقية أكثر حزما. إلا أن هذا لا يتماشى مع الغرب بشأن عدد من القضايا، مثل الربيع العربي ودعم (إسرائيل).
لذا فإن التغيير في القيادة إلى تركيا تتحكم بها الكمالية العسكرية، لتعود السلطة لتدير ظهرها للربيع العربي، وتقيم علاقات صداقة مع (إسرائيل)، هي أمور من شأنها أن ترضي الغرب وإعلامه.
تتجه تركيا حاليا نحو منظمة المؤتمر الإسلامي ومجموعة العشرين، وهي لاعب رئيسي في تشكيل السياسة في الشرق الأوسط. ورغم ذلك، فإن تركيا، في نهاية المطاف، وبغض النظر عن الأيديولوجية وتطلعات قيادتها، لا تزال شريكا حيويا وحليفا للغرب.
إن تركيا لا تزال عضوا حيويا في حلف شمال الأطلسي والتحالف ضد «تنظيم الدولة». ولا تزال تعتبر العضوية في حلف شمال الأطلسي ذات قيمة كبيرة.
وفي حين لم يكن الغرب قادرا على إخفاء انحيازه ضد القيادة السياسية في تركيا، فقد أدرك بوضوح جدا، على الرغم من بعض التوترات والتصريحات الساخنة، أن العمل المعتاد لا يزال مستمرا.