مسؤول بأحد فروع الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (ANAPEC)، بإحدى المدن المغربية عن طريق جلسات خاصة بمكتبه الخاص، يقرر فيها قبول أو رفض طلب العمل، وذلك حسب مؤهلات العاملة ليس المهنية ولكن الجنسية، العديد منهم يستنكرون الأمر وينسحبن بصمت، وأخريات تقبلن مكرهات، عدد كبير منهن مررن بشقته المفروشة التي يكتريها بعيدا عن أعين زوجته وأبنائه وأقاربه ومعارفه.
مسؤولون ومدراء بشركات، يستعينون بوسيطات داخل المعامل، لاقتناص العاملات في معامل الخياطة، ومعامل تركيب أجزاء السيارات، وشركات النظافة والطبخ، وحقول الفلاحة، لتنظيم الليالي الحمراء، هؤلاء المسؤولات غالبا ما يكن مسؤولات عن العاملات، ومن ثم يقررن استمرارهن في العمل أو طردهن منه، حسب تلبية المطالب الجنسية للمسؤولين.
قصة المهندسة التي سنختار لها رمزا لاسم مستعار (م-م)، قصة مؤلمة، لم أشأ أن أحكيها بالمعنى أو أتصرف فيها، لذلك تركتها كما وصلتني، بنفس الشحنة والأحاسيس، تقول (م-م):
“أنهيت دراستي في إحدى فروع الهندسة الصناعية بنجاح وتفوق. وككل متخرج جديد، فكرت في ولوج سوق العمل بما أملك من مؤهلات علمية وميدانية اكتسبتها خلال سنوات دراستي وتدريبي. بعثت بطلبات عمل، لشركات ومكاتب دراسات عدة، جائني الرد من إحداها وتمت دعوتي لاجتياز مقابلة مع المدير.
تم تحديد اللقاء صبيحة يوم سبت، ذهبت كلي أمل أن أحظى بهذه الفرصة. دخلت المؤسسة التي كانت خالية من موظفيها عدا فتاة الاستقبال، أرشدتني إلى مكتب المدير الذي وجدته بانتظاري، رجل خمسيني، نظر إلي من أعلى رأسي حتى أسفل قدمي قبل أن يأذن لي بالجلوس وهو يتفحص ملفي..
بعد دقيقتين طلب مني التعريف بنفسي، لم أتمم جملتي الأولى إلا ووجدته يقاطعني: “دعينا من هذه البروطوكلات الآن، سأتكلم معك بصراحة، أنت فتاة جميلة، إذا رغبت العمل معي فعليك أولا تمكيني من نفسك وسأمنحك كل ما تطلبين؛ راتبا مجزيا وعملا مريحا..”
لم أصدق ما سمعته أذناي، تناثرت الحروف من رأسي ككلمات متقاطعة، خرجت على لساني المرتعش بضع تمتمات مفادها ماذا تقول؟ هل أنت في كامل وعيك؟؟
تململ الرجل من كرسيه متجها نحوي وقفت فزعة، قال لي لست الأولى ولن تكوني الأخيرة، كل الفتيات اللائي عملن معي مررن بنفس التجربة حتى تلك التي لقيتك عند دخولك، الأمر لا يستحق كل هذا..
اقترب مني محاولا لمسي.. نفضت عني يده القذرة في اشمئزاز، لا أذكر بالتحديد ما الذي رددت به على كلامه وأنا أندفع إلى الباب. كنت كمن صعق بتيار كهرباء عالي التوتر، تعرقت يداي، شعرت بقدمي ترتجفان، ورأسي يدور، موقف لم أتوقعه ولم أكن مستعدة له، انهمرت دموعي وأنا أغادر المبنى.
فكرت في الذهاب للشرطة، ثم تراجعت، ماذا أقول؟ كيف أشرح الأمر؟ هل سيصدقونني وأنا لا أملك دليلا يثبت صحة كلامي؟ فكرت في أبي ماذا لو علم بالأمر؟ قد يذهب إليه ويتشاجر معه وربما ينتهي الأمر بما لا تحمد عقباه… سيل من الأفكار تقاطر على رأسي المرهق، لكني في النهاية اخترت الصمت”.