من آثار الإيمان بأسماء الله الغفور، الغافر والغفار:
1- إثبات صفة المغفرة لله جل جلاله:
فالحق الذي يعتقده أهل السنة والجماعة أن أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف وأن كل اسم يتضمن صفة أو صفات، بخلاف أهل الضلال من أهل الاعتزال الذين يثبتون لله تعالى أسماء مجردة سالبين منها كل ما دلت عليه من معاني وأوصاف([1])، والجهمية الذين يعطلون كلا من الأسماء والصفات.
فهذه الأسماء تتضمن صفة المغفرة لله تعالى ولا نقول كما تقول المعتزلة: غفور بلا مغفرة.
2- سعة مغفرة الله تعالى:
مهما عظم الذنب فمغفرة الله تعالى أعظم، فالله تعالى لا يعجزه ذنب كيفما كان، فمهما أذنب العبد وأسرف فإن مغفرة الله أجل فهو سبحانه: “لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا يكبر عليه عيب أن يستره، قال تعالى:” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)” -الزمر-“وهذا عام في جميع الذنوب، من كفر وشرك، وشك ونفاق، وقتل وفسق، وغير ذلك: كل من تاب من أي ذلك تاب الله عليه”([2]).
فمهما بلغت ذنوب العباد وعظمت خطايهم فمغفرة الغفور سبحان أعظم وأوسع كما قال جل شأنه: “إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ” -النجم:32-، فيغفر سبحانه جما كثيرا مهما عظم الذنب وكان كبيرا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن تغفر اللهم تغفر جما و أي عبد لك لا ألما”([3]).
3- عدم القنوط من رحمة الله تعالى:
فيقين العبد بأن له ربا يغفر الذنب ويمح الزلة يفتح أمامه باب الأمل والرجاء ويجعله أبعد ما يكون عن اليأس والقنوط من رحمة رب الأرض والسماء، كما قال تعالى في ذلك النداء:” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)” -الزمر-، يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره:” {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب، والسعي في مساخط علام الغيوب.
{لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار. {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أي: وصفه المغفرة والرحمة، وصفان لازمان ذاتيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود، مالئة للموجود، تسح يداه من الخيرات آناء الليل والنهار، ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجهار، والعطاء أحب إليه من المنع، والرحمة سبقت الغضب وغلبته”([4]).
و”عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله -تعالى-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} إلى آخر الآية، قال: قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله، ومن زعم أن عزيرا ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول الله تعالى لهؤلاء: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:74] ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولا من هؤلاء، من قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى} [النازعات:24]، وقال {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38].
قال ابن عباس [رضي الله عنهما] من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه”([5]).
———————————-
([1] ) وقد بين العلماء بطلان مذهبهم وكساد رأيهم، ولعل في مقدمتهم شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في بعض كتبه كالعقيدة التدمرية وغيرها، ومن وجوه الرد أن المعتزلة فرقوا بين المتماثلين فكل من الأسماء والصفات ورد بها الخبر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلما أثبتوا الأسماء دون الصفات مع أن الأصل واحد والمسمى والموصوف بها واحد جل في علاه. ويمكن الرد عليهم في ضل أصل:”القول في الصفات كالقول في الأسماء” وهو مندرج تحت الأصل المعروف:”القول في بعض الصفات كالقول في البعض”.
([3] ) رواه الترمذي وصححه العلامة الألبان، صحيح الجامع:1417.