7- مداومة الاستغفار:
لا يسلم العبد من الذنوب، والمعصوم من عصمه الله تعالى، لذا فعليه ملازمة الاستغفار فهو الإكسير للذنوب والممحاة للخطايا، يقول تعالى: “وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا”-النساء:110-([1]).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك و لا أبالي، يا ابن آدم! لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة” رواه الترمذي وصححه الألباني.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في معرض كلامه عن مزيلات آثار المنهيات وما يكرهه الله سبحانه من السيئات: “وقد يزيلها سبحانه بالعفو والتجاوز وتزول بالتوبة والاستغفار والأعمال الصالحة والمصائب المكفرة والشفاعة، والحسنات يذهبن والسيئات ولو بلغت ذنوب العبد عنان السماء ثم استغفره غفر له ولو لقيه بقراب الأرض خطايا ثم لقيه لا يشرك به شيئا لأتاه بقرابها مغفرة وهو سبحانه يغفر الذنوب وإن تعاظمت ولا يبالى فيبطلها ويبطل آثارها بأدنى سعي من العبد وتوبة نصوح وندم على ما فعل وما ذاك إلا لوجود ما يحبه من توبة العبد وطاعته وتوحيده فدل عل أن وجود ذلك أحب إليه وأرضى له”([2]).
فالعبد خلق ضعيفا([3]) مخطئا مذنبا وذلك من حكمة الله جل جلاله ليضل هذا العبد مفتقرا مطروحا بين يدي مولاه سائلا إياه العفو والصفح والمغفرة، ولو خلق معصوما لتعطلت كثير من صفات البارئ سبحانه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم و لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم”.-رواه مسلم-.
فالله تعالى ذكره “إذا كان يحب أمورا وتلك الأمور المحبوبة لها لوازم يمتنع وجودها بدونها كان وجود تلك الأمور مستلزما للوازمها التي لا توجد بدونها، مثاله محبته للعفو والمغفرة والتوبة وهذه المحبوبات تستلزم وجود ما يعفو عنه ويغفره ويتوب إليه العبد منه ووجود الملزوم بدون لازمه محال فلا يمكن حصول محبوباته سبحانه من التوبة والمغفرة والعفو بدون الذي يتاب منه ويغفره ويعفو عن صاحبه ولهذا قال النبي -صلى اله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: “لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم”([4])، “ويذكر عن بعض العباد: أنه كان يسأل ربه في الطواف طاوفه بالبيت أن يعصمه ثم غلبته عيناه فنام فسمع قائلا يقول: أنت تسألني العصمة وكل عبادي يسألونني العصمة فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل وأجود بمغفرتى وعفوى وعلى من أتوب وأين كرمي وعفوي ومغفرتي وفضلي..”([5]).
———————————————-
([1] ) يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسيرها: “أي: من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارا تاما يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على أن لا يعود. فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة. فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة، ويوفقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه، لأنه قد غفره، وإذا غفره غفر ما يترتب عليه.
واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق يشمل سائر المعاصي، الصغيرة والكبيرة، وسمي “سوءًا” لكونه يسوء عامله بعقوبته، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن.” –تيسير الرحمن:200-.
([3] ) كما قال سبحانه:” وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا”-النساء:28-.
([4] ) الصواعق المرسلة: 4/1467.