تاريخ “الكيف” بالمغرب.. من السبسي إلى الجوان

 

أبدأ مقالي بما قاله العلامة محمد الصغير الإفراني الذي كتب: “وبسبب دخول هذه الفئة “يقصد أهل السودان” للمغرب ظهرت هذه العشبة الخبيثة المسماة تبغة لأن السودان الذين قدموا.. يشربونها ويزعمون أن فيها منافع فشاعت عنهم في درعة ومراكش وغيرهما من بقاع المغرب وتعارضت فيها فتاوى العلماء رضوان الله عليهم”.[1]

فالتدخين لم يكن معروفا في المغرب قبل القرن السادس عشر الميلادي، ومن المؤرخين من يربطه بهجرة السودان إلى المغرب في عهد المنصور السعدي، حيث تمت في هذه الفترة زراعة النبتة في مناطق محدودة، لتنتشر خلال القرن التاسع عشر بشكل كبير في العديد من مناطق الريف.

وحسب شهادة ليون الإفريقي فقد انتشر تدخين الكيف بين أهل فاس القريبة مجاليا من كتامة، خلال القرن السادس عشر الميلادي، والذين استعملو في تدخينه “السبسي” الغليون.

وهذا ما أكده كلام الرحالة والمؤرخ الفرنسي أوغست مولياريس (Moulieras) الذي زار مناطق الشمال قبل الفترة الاستعمارية وأكد أن “الكيف” منتشر في قبائل الريف في المنتصف الثاني من القرن 19.

كما تظهر محاولة المولى الحسن الأول (1873-1894) تهدئة القبائل الثائرة بهذه المنطقة في هذه الفترة بإصدار ظهير شريف يسمح لدواوير بني خالد وكتامة بزراعة الكيف للاستهلاك المحلي.

وفي سنة 1906 أعطى مؤتمر الجزيرة الخضراء حق احتكار بيع وشراء التبغ والقنب الهندي بالبلاد للشركة المغربية للكيف والتبغ، وهي شركة متعددة الجنسيات ذات رأسمال فرنسي.

وقام محمد بن عبد الكريم الخطابي ما بين 1920 و1925 بمنع زراعة “الكيف” بالريف وتسويقه، لكن بعد استسلام الخطابي والقضاء على ثورة سنة 1926 عادت زراعة “الكيف” واستهلاكه إلى نشاطه السابق.

وبعد سنة 1956 عند حصول المغرب على الاستقلال قادت السلطة المغربية عدة حملات للقضاء على نبتة “الكيف” والاتجار به، لكن هذا لقي رفضا كبيرا من طرف قبائل الشمال خاصة قبيلتي بني خالد وكتامة اللتين رفعتا في وجه السلطة ظهير المولى الحسن الأول، فسمح لهما بالاستمرار في زراعة هذه العشبة.

وعند ظهور “الهبيين” الظاهرة الاجتماعية التي كانت في أصلها حركة شبابية نشأت في الولايات المتحدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ثم ما لبثت أن انتشرت في باقي الدول الغربية، وهي التي ظهرت معها ثقافة استعمال مخدر الحشيش “الزطلة”، وبهذا انتشر المصطلح الجديد “الجوان” في العالم مع اتساع شهرة “الهبيين”.

كما تأثر المغرب بهذه المستجدات حيث ظهر “الجوان” منافسا قويا لـ”السبسي” بل أزاحه عن عرش المخدرات، كما نشطت زراعة “الكيف” وتجارته ولم تحد محاربة الدولة للاتجار بالمخدرات من هذا النشاط الدولي والمحلي.

 

[1] – نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي لمحمد الصغير الإفراني تحقيق هوداس طبعة على يد بردبن سنة 1888م الصفحة 162، وانظر كتاب الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى لأحمد بن خالد الناصري، منشورات وزارة الثقافة والاتصال 2001، 5/131.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *