عصفت الآلة الدعائية المقيتة للشذوذ الجنسي بعدة تصورات راسخة في بلاد الإسلام والمسلمين، ومن بين ما عصفت به مفهوم الفطرة البشرية التي وضعها الله عزوجل في نواميس الكون تباعا.
فكلمة “الفطرة” من الفَطْر والفَطْر هو الخلق {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ} هي الخِلقة الأصلية التي خلق الله الناس عليها يعني فيه أشياء فِطرية وفيه أشياء مكتسبة، الأشياء الفطرية التي لا تحتاج إلى تلقين ولا إلى تعليم ولا إلى اكتساب يولد الإنسان عليها. الإنسان مفطور على أنه يؤمن بإله بقوة فوق هذا الكون، مجبول على أنه يميل إلى الجنس الآخر، الرجل يميل إلى المرأة والمرأة تميل إلى الرجل وهذا أمر طبيعي.
الأرض منزل البشرية جمعاء، وتحكمها سنن كونية تحافظ على توازن المجتمعات ورقيها متی ما التزمت بها، فانجذاب الذكر للأنثى والعكس، هو أساس الفطرة السليمة التي تناسل بها بنو البشر لعمارة هذه الأرض من بدء الخليقة. ولكن ظهور الحملات المنظمة التي تروج للشذوذ الجنسي، تنافي الفطرة والطبيعة البشرية، وبالتالي تعتبر تهديدا لاستمرار الكيان البشري واستقراره.
وربط الشذوذ الجنسي بحقوق الإنسان واعتباره ظاهرة طبيعية غير مخالفة للفطرة وبالتالي كحق من حقوق الإنسان في اختيار ميوله، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى اتهام معارضيها بإصابتهم بـ “الهوموفوبيا” أو “رهاب المثلية”. فلو جئنا لمسألة تشريعها كحق من حقوق الإنسان، فإن حقوق الإنسان في الأصل هي الحقوق المتفق عليها بين البشر، مثل: الحق في التعليم والعمل والحياة. وغير ذلك، فكیف يمكن ضم الشذوذ ضمن هذه الحقوق رغم أن هناك غالبية عظمى ترفضها رفضا قاطعا؟
ثم إن انتماء الفرد لديانة معينة له تأثير على تقبله أو رفضه للشذوذ الجنسي، ومن المعلوم أن جميع الأديان السماوية تحرمها، ومعتنقو هذه الأديان يمثلون الأغلبية. اذ في استطلاع نشر عام 2013 على مجتمع الشواذ في أمریکا، تبين أن هناك علاقة بين الشواذ واللادينية، فنحو نصف الشواذ الأمريكيين ليس لديهم أي انتماء دیني.
أما بالنسبة للادعاء القائل بأن الشذوذ الجنسي ناتج عن جینات يولد بها المرء، وعلى افتراض وجودها فعلا فإنه من غير المنطقي أن يتم التبرير لانحراف سلوكي خطير بمجرد وجود جين مسؤول عن ذلك، لأنه وفقا لهذا القياس يمكننا استخدام التبرير نفسه لارتكاب جرائم أخرى كالسرقة والاغتصاب مثلا. في حين أن الدراسة التي يستندون عليها في ادعائهم قد رفضت من قبل كثير من الباحثين، ففي عام 1993 قام العالم “دين هامر” بعمل هذه الدراسة حيث افترض أن هناك رابطا محتملا بين المؤشر الجيني Xq28 والمثلية الجنسية، ونشر نتائجها في مجلة Science المعروفة، وعندما تمت إعادة تجربته من قبل باحثين آخرين وعلى عدد أكبر من الشواذ، لم يصل أي منهم إلى نتائج مشابهة، وهذا ما جعلهم يشككون في صحة هذه الدراسة.
هذا بالإضافة إلى أن علم الجينات الحديث يؤكد صعوبة ارتباط صفة سلوكية بجين معين. فمن خلال بحث نشر في مجلة NATURE وجدوا أن الصفات الجسمية البسيطة بعد فك الشيفرة الوراثية أعقد من أن ترتبط بجينات محددة، فكيف بالصفات السلوكية -مثل المثلية الجنسية- التي هي أعقد بكثير الجسمية!
الإشكال أن البعض يرغبون في إقناع غيرهم بأن الشذوذ الجنسي، سلوك طبيعي وفطري عند الإنسان، وأنه ليست مرضا عضويا ولا اضطرابا نفسيا، وإنما هي اختيار شخصي وسلوكي لأن الحمض النووي للإنسان يتدفق منذ البدء مع هذه “المثلية الجنسية”؛ ولعمري هذا خطاب خطير تروجه العديد من المنظمات والأفراد من أجل تسويغ هذه الظاهرة وترويجها على أوسع نطاق في العالم.
لقد تعاطت الشرائع السماوية مع الشذوذ في الحياة البشرية المعاصرة كواقع لا مناص من التعامل معه وكسلوك جرمي منحرف، يُعاقَب أو يُعالج المصاب به، ولكنها لم تشرعه، ولم تصل المجتمعات التاريخية في التعاطي معه إلى المستوى الحالي من الدعم القانوني والتشريعي.
وهو يمثل بالوصف الطبيعي، أحد شواهد الانحطاط الغربي المتطرف، وبغيه الثقافي على الإنسانية، ثم تحويله كضغط سياسي يغزو البشرية بالوباء، كما يجري اليوم على تركيا، في حملات الشذوذ وضغطها على الرأي العام في ميدان تقسيم وغيره.
لقد صُنع هذا المشروع عبر قوة مخملية متوحشة في آثارها، فمافيا الشذوذ التي نشطت في الولايات المتحدة الأميركية نجحت في تحقيق مستويات متقدمة لحصار الإنسانية، وفرض السلوك الجرمي والمرضي، وضغطت على مؤسسات القضاء واستقطبت شخصيات كبيرة، وسخّرت هوليوود وديزني ومؤسسات إعلام كبرى لخدمة إرهابها.
وكتأكيد على نموذج البغي المتوحش لهذه المافيا، ومؤسساتها ضد الإنسانية، وأول ضحاياها المجتمع الغربي، تمت مطاردة وحصار التعاطي العلمي الطبيعي مع حالات الشذوذ، وكيف أنها تنشأ لأسباب مرَضية ثم تتحول لسلوك جرمي، رغم أن ذلك كان ضمن التعاطي العلمي البحت.
كما تمت مطاردة الطب البشري في الغرب الساعي لتوسيع العلاجات النفسية والهرمونية التي تعالج مرضى الشذوذ، بل وتم تجريم الحملات الطبية، والتضيق على المؤسسات الناشطة في محاربة تلك الآفة، مما يحد من إمكانية الحصول على المساعدات الطبية والنفسية اللازمة بالنسبة لأي أسرة أو محيط اجتماعي بشري إنساني يرغب في التخلص من هذه الآفة.
فكيف تحول الإرث المشترك وأسباب البقاء الوجودي وفلسفة العلاقة بين الذكر والأنثى، إلى مجرد نموذج للعلاقات الإنسانية، وكيف بات على المجتمعات البشرية أن ترضخ لاختطاف بنيها وبناتها، لمعسكرات الشذوذ العالمية التي يرعاها الانحطاط الغربي اليوم.
إن تصريح عارضة أزياء تدخل مسابقة جمال في الولايات المتحدة الأميركية، بأنها رغم احترامها لمجتمع الشواذ، فإنها ترى أن العلاقة الطبيعية هي في الزواج بين الذكر والأنثى، كان كافيا لاستهدافها وشن حرب إعلامية وثقافية عليها.
إن ما يجري اليوم، من حرب الشذوذ على المجتمعات الإنسانية، والذي وصل للشرق، مسلمين وغير مسلمين، مع أن الشرق -بمسلميه وغيرهم- أكثر ممانعة أخلاقيا في تاريخه الإنساني أمام الانحطاط القيمي واستبدال الفضيلة بالرذيلة الشاذة، هو وصمة عار ومستقبل مدمر صحيا وثقافيا على الإنسانية، في حرب كراهية عظمى يقودها الانحطاط الغربي.
لقد تراجعت قوة المقاومة للإرهاب الشذوذي في الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وحوصرت حركة الرفض الأخلاقية والدينية في الكنائس والإعلام، وليس من مصلحة البشرية ذلك، وهو أمر مروع للعقل والضمير الإنساني المجرد.
فكيف ينتشر هذا الإرهاب الذي يقضي في نهايته الحتمية على الوجود البشري، بيقين علمي لا يتزعزع؟ وكيف تُشرع رسميا الأمراض الجنسية الكارثية، وتُحصن قانونيا، ويُحارب علاجها أو يحاصر البحث العلمي فيه، أو يُستهدف في حملات بغي ثقافي وإعلامي وسياسي وقح، حتى وإن بقيت مقاومة ثقافية أخلاقية ومساحة سياسية في المجتمع الغربي تقاوم هذه الحرب، لكنها في تراجع وضعف أمام مافيات الشذوذ المدعومة من البيت الأبيض.
إن ما يحتاجه العالم اليوم، كقضية إنسانية كبرى لحياته وبشريته، وما يفصله عن الغريزة الشهوانية الشاذة حتى في عالم الحيوان، هو تدعيم وتأسيس الحلف الديني والثقافي لحماية الطفل والصحة الإنسانية وقيم البشرية الفاضلة، أمام حرب الكراهية للإنسانية السوية.
ومن واجبات العالم أن يناضل بلا هوادة لتحرير ضميره الذي احتله الانحطاط الغربي في نواح عديدة، وفرض عليه موازينه المزدوجة لتكَوّن الأسرة المعقل الأخير لنجاة البشر صحة ونسلا وأخلاقا واستقرارا نفسيا.