لم يكن المغاربة حتى الثمانينات يقبلون على اللباس العاري أبدا بل القلة القليلة التي تنتمي لطبقات اجتماعية معينة هي التي تقلد الغرب في ثقافة اللباس بحكم احتكاكها الثقافي والاقتصادي بالنخب الفرنسية أو الغربية عموما. لكن مظاهر العري في الشواطئ بالخصوص تطرح أكثر من سؤال حول تطور هذه الظاهرة عبر عقود من الزمن.
الراجح عند المتابعين والدارسين لمثل هذه التحولات السوسيوثقافية هو تأثر المغاربة بموجات متعددة وعلى عدة مستويات، أثرت في لباسهم وفي مأكلهم وفي طبيعة السلوكات والتصرفات، لاسيما الأجيال الشابة الصاعدة.
الأصل في التحولات الاجتماعية المذكورة يبقى خارجيا، لأن الانتقال من الاستماع للراديو إلى مشاهدة التلفاز غيّر عدة معطيات وسلوكات وتمثلات حول لباس وهندام المغربي والمغربية. وهذا التحول ما هو إلا الحلقة الأولى في التحولات الاجتماعية اللاحقة، التي ستحسم تصورات المغاربة حول اللباس بشكل حاسم.
أما الانتقال إلى مشاهدة القنوات الفضائية وما روج من مسلسلات غربية في البداية ثم مدبلجة ثم عربية، يفسر إلى حد ما التغيرات الكبيرة التي طرأت على اللباس المغربي، خاصة لدى الإناث.
قبل الاسترسال في الشرح لابد من تسليط الضوء على مسألة ذهاب المرأة للشاطئ والسباحة مثل الرجل في المغرب، هذا الأمر لم يكن مسألة عادية بل تحققت بتدرج، أسست له كل التحولات السالفة الذكر. ثم بعد ذلك الموجة الأخيرة التي جاءت مع الهاتف وشبكة الانترنيت وما سمحا به من اطلاع على عوالم وثقافات أخرى كرست العري والتعري بالشواطئ كسلوك عادي لا نقاش وجدل فيه.
الإنترنيت كان لها دور حاسم في فرض ثقافة الشواطئ المعدة للسباحة والمختلطة، ولثقافة التعري كذلك مثل الشواطئ الغربية، رغم أنه في الغالب ما نجد المرتادين لهذه الشواطئ من أوساط اجتماعية فقيرة.
لا يمكن فهم التغيرات الحاصلة في طبيعة لباس المغاربة في الشواطئ دون الإطلاع على ما يشاهد وما يسمع عبر منصات التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنيت، وموجات التطبيع التي تنتقل بشكل ملحوظ من التبشير إلى استهداف الثقافات المحلية في اللباس والهندام. حتى أصبحنا أمام شواطئ ممتلئة على آخرها في جو من الاختلاط والعري دون حد أدنى من الحشمة والوقار.
وبالتالي تبقى مسألة اللباس ذات أهمية في الهوية وفي الخصوصية في آن واحد، ولذلك ينبغي أن يقوم العلماء بتحريرها من كل الالتباسات، وذلك بإحالتها على المبادئ الكبرى في الدين، أي على مسئولية الأفراد وعلى المقاصد التي يلتقي فيها الشرع والعقل.
فالخير الذي أراده الدين للناس متوقف أساسا على استنهاض الهمم للبقاء في أحسن تقويم، حيث يحمي الرجل وتحمي المرأة المروءة من الانحدار بالانغماس في شهوات الغرائز، يتوقف هذا التقويم على تزكية النفوس وتقوية الإرادات.
إن ما اشتغلت به بلدان العالم ومؤسساته لاسيما في العقود الأخيرة من كف الأذى عن المرأة بسن قوانين رادعة للتحرش الجنسي مثلا، هذا الصنيع سبق إليه القرآن الكريم عندما أمر بغض البصر كناية عن أصغر وسائل العدوان، وما كان يمكن أن يسكت القرآن عن حالة من حالات الظلم التي كانت سائدة في حياة العرب قبل الإسلام، وقد قرن القرآن الكريم الغاية بالوسيلة المرتبطة بطريقة اللباس بالشكل المتأتي، وذلك كما فُهمت في ذلك الوقت وبعده.
والمهم هو أن تتوفر للمرأة ظروف حياة العفاف والكرامة، وأن تختار كيف تتصور ذلك وتحققه في جانب اللباس في نضج عقلي وروحاني يحفظ لها جمالية الباطن والظاهر ويعفيها من تمارس الإغراء أو تتعرض له، فالأمر ما يزال كما كان عند نزول القرآن، أي الحاجة إلى حماية المرأة من إذاية الرجل بدل الميل إلى تحميلها معظم المسؤولية، فحماية المرأة من إذاية الرجل المشار إليها في القرآن تتوفر مع رجل قادر على أن يحمي نفسه من نفسه.