د. خالد الصمدي*: من حقنا اعتماد قيم المرجعية الإسلامية في المنظومة التعليمية بالمغرب حاوره: عبد الصمد إيشن

1ــ تعددت مشاريع إصلاح المدرسة العمومية، هل تجدون في أجندة الإصلاح المذكور مجالا للقيم، كمدخل أو كإطار لتجويد المدرسة المغربية؟

شكرا لجريدة السبيل على إثارة هذا الموضوع المهم جدا في سياق مشاريع إصلاح التعليم ومنظومة التربية والتكوين ببلادنا، إذا ما تأملنا في مختلف الوثائق المؤطرة لإصلاح المنظومة، بالأخص الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي بدأ العمل به منذ 2000، وكذلك القانون الإطار 17-51 الذي تفرع عن الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، سنجد هناك تنصيصا واضحا في المرجعيات والمبادئ على القيم المؤطرة الجامعة التي تميز من الناحية المرجعية المدرسة المغربية.

ولمزيد من التفصيل، طبعا تعلمون الاشتغال على الرؤية الاستراتيجية نص على إفراد بعض القضايا ذات الأولوية بتقارير خاصة مثل التعليم الخاص على سبيل المثال والتعليم العالي والبحث العلمي، ومنها التربية على القيم، فلذلك المجلس الذي أصدر الرؤية نفسه الذي أصدر تقريرا سنة 2017 بعنوان القيم في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وهو تقرير غاية في الأهمية فصل ما ورد مجملا في الرؤية الاستراتيجية، لأنها تضمنت التوجهات الكبرى.

لكن هذا التقرير الذي أنصح بقراءته وتحليله وخاصة ما يتعلق بتشخيص وضعية القيم في المدرسة المغربية وتقديم مقترحات استشرافية في كل مفاصلها سواء التعليم الثانوي أو الجامعي أو البحث العلمي ومؤسسات التكوين المهني. إذا نظرنا إلى هذه الحصيلة من الميثاق الوطني إلى حدود صدور هذا التقرير، نجد أن هناك اهتماما كبيرا بمنظومة القيم، لكن يمكنني أن أقول أنه بعد صدور القانون الإطار 17-51 والتقرير المذكور سلفا أصبح الأمر أكثر وضوحا وجلاء.

وهذا ما يفسر ورود الحديث عن ضرورة إيلاء القيم الأهمية القصوى كذلك الإشارة إلى التحولات الكبرى التي تعرفها المنظومة القيمية الوطنية في ضوء التحولات العالمية، إثارة هذا الموضوع لم تخلو من الخطابات الرسمية بما فيها خطابات جلالة الملك ورسائله المتعددة، ويمكنني أن أحيل إلى ذلك من خلال خطاب العرش الأخير الذي نص صراحة على ضرورة إيلاء هذا الموضوع بالجدية اللازمة كما أن الرسائل السابقة انطلاقا من الرسالة التي وجهها جلالة الملك إلى ندوة المدرسة والسلوك المدني التي نظمت منذ سنة 2004، يعني كانت هناك إشارة واضحة إلى ضرورة إيلاء القيم الدينية والوطنية الأهمية القصوى في المنظومة التربوية مرورا بالعديد من الخطابات والرسائل والوثائق الرسمية التي تحث على نفس الأمر.

التقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين حول مجموعة من الظواهر السلبية الموجودة في المؤسسات التعليمية والتي لا يمكن بحال من الأحوال أن تعالج لا بالزجر ولا بالقوانين الصارمة ولكن علاجها بالأساس يكمن في التربية على القيم وهذا له مردود معنوي ومادي كبير جدا على مستوى الميزانية التي تخصصها الدولة سواء في المجال الحقوقي أو القضائي والبيئي والتربوي.

وطبعا الغرض الأساس هو محاصرة مجموعة من الظواهر السلبية التي تكلف بلدنا غاليا في البيئة العامة والمدرسية، يكفي أن أشير لكم إلى التقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين حول مجموعة من الظواهر السلبية الموجودة في المؤسسات التعليمية والتي لا يمكن بحال من الأحوال أن تعالج لا بالزجر ولا بالقوانين الصارمة ولكن علاجها بالأساس يكمن في التربية على القيم وهذا له مردود معنوي ومادي كبير جدا على مستوى الميزانية التي تخصصها الدولة سواء في المجال الحقوقي أو القضائي والبيئي والتربوي.

والتربية على القيم ستخفض العديد من الفاتورات الكبيرة وذات التكاليف الباهضة على مستوى المنظومة الاجتماعية بصفة خاصة ولكن المدخل الأساسي لكل ذلك هو المدخل التربوي والقيمي.

 

2ــ أثيرت نقاشات كثيرة حول إدماج البعد القيمي في المقررات الدراسية، في نظركم ما هي انعكاسات هذا الإدماج على جودة التعليم بالمغرب؟

هناك كلمتان ثقيلتان، الأولى، إدماج البعد القيمي، والثانية، جودة التعليم، طبعا هناك نقاش كبير بين الفاعلين حول إدماج القيم في البرامج التعليمية بصفة عامة، وليس في المقررات الدراسية فقط، وقد واكبت العديد من التجارب التي اشتغلت عليها وزارة التربية الوطنية، بتعاون من قطاعات حكومية أخرى في محاولة لإدماج البعد القيمي في المقررات والمنهاج التعليمي، وسأذكر مثالين فقط بهذا الخصوص.

الأول، الكتاب الأبيض للبرامج والمناهج والذي جاء مباشرة بعد صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وكان الوزير الوصي على القطاع آنذاك هو ذ.عبد الله ساعف، الذي أشكره من هذا المنبر على الجهود الكبيرة التي بذلها في تطوير المناهج التعليمية المغربية بنفس من الخبرة والذكاء الجماعيين، والكتاب الأبيض، كانت له مجموعة من التوجهات الكبرى، من بينها التربية على القيم كمدخل أساسي لتطوير البرامج والمناهج التعليمية، إذا ما رجعنا للكتاب الأبيض بالفعل سنجد ترجمة عملية لمقتضيات ذات الصلة بالقيم في ميثاق التربية والتكوين وخاصة منها قيم العقيدة الإسلامية وأيضا قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية، بشكل توليفي، حاول فيه الفريق الذي تكون من حوالي 80 خبيرا وتشرفت بأن أكون عضوا في هذه اللجنة، بإيجاد توليفة مغربية تحاول أن تجمع بين أصالة البلد وخصوصيته الدينية والحضارية، وكذلك الانفتاح على قضايا العصر والاستفادة من الحكمة البشرية وإدماج ثقافة حقوق الانسان والسلوك المدني.

وهكذا اشتغلنا على إيجاد وثيقة الاختيارات والتوجهات الكبرى وإذا رجعتم إليها ستجدون فيها تنصيصا واضحا على منظومة القيم، وكذلك حينما انتقلنا إلى العمل في مجموعات، مجموعة العمل المتخصصة في المواد وكنت منسقا لتطوير منهاج مادة التربية الإسلامية، اشتغلنا بالفعل على إدماج المدخل القيمي طبعا بنسب مختلفة من مادة إلى أخرى، وإن كنا تحدثنا آنذاك على ضرورة إيلاء أهمية لهذا الموضوع في المواد الحاملة ومنها مادة التربية الإسلامية، دون أن ننسى أن هناك مواد أخرى لها علاقة بالتربية على القيم وقد سطرت في ذلك أفكار وتوجهات مهمة جدا في الفيزياء والكيمياء والرياضيات والمواد العلمية والتقنية بصفة عامة بالإضافة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، ولأول مرة في مادة التربية الإسلامية، بنينا منهاجا دراسيا على المدخل القيمي، وهو المنهاج الذي اعتمد الوحدات التسعة وهي التربية التعبدية والاعتقادية، الاجتماعية والأسرية، الاقتصاد والمالية..

وكان لهذا المنهاج الدراسي آثار واضحة على مستوى إعادة بناء مفهوم التربية الإسلامية لدى المتعلمين انطلاقا من المعرفة الإسلامية الشرعية الصحيحة وكذلك منظومة القيم التي ترتبط بسلوك المتعلمين، وهكذا كان الشأن بالنسبة لباقي المواد.

وأعتقد أن الكتاب الأبيض فيما يتعلق بالتربية على القيم، تجربة متقدمة جدا ومفيدة، مع كامل الأسف لم تواكب فيما بعد بالتأطير اللازم خاصة للمدرسين الذي سيعملون على ترجمة محتويات الكتاب الأبيض إلى عمليات تعليمية تعلمية داخل الفصول الدراسية، ولكن في كل الأحوال كانت تجربة ناجحة ترجمت عمليا في دفاتر التحملات لتأليف الكتب المدرسية، والأكثر من ذلك تطورت التجربة إلى إنشاء مرصد القيم بوزارة التربية الوطنية والذي كان مكلفا بتتبع حضور القيم في الكتب المدرسية وفي لجنة المصادقة على الكتاب المدرسي وكانت هذه التجربة ناجحة جدا وأعطت أكلها، وكان فيها خبراء متخصصون ومتعددو التخصصات أبلو البلاء الحسن في هذه المحطة، محطة حضور منظومة القيم المنصوص عليه في الميثاق والكتاب الأبيض.

ومن خلال الكتاب المدرسي سيجد التلميذ نفسه أمام نصوصا ومجموعة من الصور والمواقف والأمثلة والنماذج التي تعمل على ترسيخ القيم لديه.

هذه التجربة كان من المفروض أن تخضع لعملية تقييم وتتبع لكن مع كامل الأسف مرصد القيم توقف بعد ثلاث سنوات ولم يتم تجديده وأحيل الأمر إلى اللجنة الدائمة للبرامج، هاته اللجنة التي اشتغلت بالموضوع إلى جانب مواضيع أخرى لكن مع كامل الأسف لم تستمر التجربة إلى حدود تقييم تنزيل الميثاق الوطني الذي كان سنة 2013.

ومما يبشر بنجاح المشروع حاليا هو أن الاستراتيجية الوطنية لتكوين الأطر التربوية التي تم إطلاقها سنة 2018 والتي تضمنت في مناهج التكوين وحدة دراسية كاملة في جميع التخصصات تحت عنوان “أخلاقيات المهن والتربية على القيم”، نتمنى أن تحدث هذه الوحدة في برامج تكوين الأساتذة في مختلف المواد الدراسية بالمدارس العليا للأساتذة والمدارس العليا للتربية والتكوين والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، هذه النقلة النوعية التي نسعى من خلالها إلى التعامل مع هذا الموضوع بالجدية. كلذلك الحياة المدرسية هي الفضاء الطبيعي للتنزيل العملي لمنظومة القيم التي يتلقاها التلميذ في الفصل الدراسي.

 

3ــ كثيرة هي الانتقادات الموجهة للتوجه الذي يجد في المرجعية الإسلامية منبعا للبعد القيمي في المقررات المدرسية، ما هي هفوات من يدعو لإيجاد منبع آخر للقيم دون مرجعيتنا؟

أنتم تعلمون أننا في المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية نشتغل على الموضوع منذ مدة وقد حاولنا ما أمكن أن نؤسس نظريا للعديد من المفاهيم التي يوجد فيها خلط كبير في التداول العلمي والإعلامي والبحثي والتعليمي، منها قضية القيم بالمرجعيات ونتيجة هذا الارتباك في المفاهيم نجد هناك نقاشا واسعا وعريضا حول القيم الوطنية والدولية والخصوصية وإذا تعارضا كيف يمكننا أن نجمع بين هذا التعارض وأيهما أولى.

وهذه أسئلة غير دقيقة لأننا بلورنا في المركز رؤية واضحة في علاقة القيم بالمرجعية، وليس في المركز فقط بل حتى تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي استطاع أن يجد نوعا من الجواب العلمي على هذه القضية.

القيم في تصورنا في فريق العمل الذي اشتغل به، القيم هي كونية كلها ولا يمكن أن نتحدث عن قيم خصوصية العدل، فالجميع يحبه؛ كذلك الظلم يكرهه الجميع، كل العقلاء في العالم يحبون الحرية ويكرهون العبودية، يحبون الإصلاح ويكرهون الفساد، ولا يمكن أن نختزل القيم في مرجعية معينة، والله عز وجل يقول في القرآن الكريم: “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله”.

والاختلاف يقع في المفاهيم على اعتبار أن مفهوم الحرية بالمغرب ليس هو نفسه بفرنسا ومفهومها في البلدان الإسلامية التي لها مرجعية دينية وحضارية معينة لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون نفس المفهوم شرقا أو غربا خاصة أن الدول المختلفة عنا لها مرجعية ودينا وثقافة.

ولذلك تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين يتضمن قاعدة غاية في الأهمية، فكت الاشتباك على هذا المستوى ووضعت حلا واضحا لهذه الإشكالية الفكرية، وهي كونية القيم وخصوصية المفاهيم، فنحن لا نتجادل مع غيرنا على مستوى امتلاك منظومة قيم لا يمتلكونها

نحن لا نتجادل مع غيرنا على مستوى امتلاك منظومة قيم لا يمتلكونها أو العكس، بل نختلف في قضية المفهوم.. وبالتالي يحق لكل دولة أن تستند إلى مرجعيتها في تحديد مفاهيم معينة للقيم التي تتبناها..

أو العكس، بل نختلف في قضية المفهوم. وبالتالي يحق لكل دولة أن تستند إلى مرجعيتها في تحديد مفاهيم معينة للقيم التي تتبناها.

فمن حقنا مثلا في المغرب أن نتنبى مفهوما معينا للحرية استنادا إلى مرجعيتنا الدستورية التي تستند بدورها إلى مرجعيتنا الدينية والثقافية، الأساسي أن تتحقق الحرية بضوابطها وشروطها القانونية والتشريعية.

وهنا يحضر النقاش والتدافع، واعتقد أن مرجعيتي هي الأقدر على تحقيق القيم لدى الإنسانية، وأنت يمكنك أن تزعم نفس الزعم، وبيننا الحوار والنقاش والأدلة والأمثلة، فلذلك يوجد الحوار في القرآن الكريم والغاية دائما هو الوصول للكلمة السواء، التي ليست بالضرورة الاتفاق.

من هنا أشير إلى أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستند إلى مرجعيات مختلفة على مستوى منظومة القيم لأن هذا سيحدث نوعا من التضارب والتشويش لن يؤدي لتحقيق النتائج المرجوة، وسيؤدي بالمشروع إلى النهاية. فحتى المنظمات الدولية تحترم هذه الخصوصيات على مستوى التنزيل. والمغرب توفق في عدد من المحطات للاستجابة لحاجياته القانونية مع احترام خصوصياته الدينية والحضارية.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

*د.خالد الصمدي: الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي سابقا وخبير تربوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *