لن نغرق في التاريخ، حتى لا يطول بنا المقال ويتشعب، ولكن من نافلة القول أن نشير إلى شهادة “الموسوعة اليهودية” التي أكدت أن واقع يهود العالم الإسلامي كان هو العصر الذهبي لليهود، فلم يكن هناك اضطهاد ديني، حيث لم يكن هناك تهديد للوجود اليهودي ولا ديانتهم أو طقوسهم، ولا عاداتهم وتقاليدهم في العالم الإسلامي، في الوقت الذي كان يهود العالم المسيحي مضطهدين، يعيشون عيشة بائسة، وتحت القيود والأغلال والسخط والظلم في المجتمعات الأوروبية.
ونتيجة لذلك، وبسببه، رغم تحولات عصر التنوير، وبروز العلمانية والدول القومية الحديثة بقي هناك الاضطهاد ضدهم في أوروبا الأمر الذي أدى إلى نشوء الحركة الصهيونية.
فالحركة الصهيونية حركة سياسية نشأت في القرن التاسع عشر، من طرف الجماعات السرية، وكان هدفها الرئيس هو تجميعُ يهود العالم في وطن قومي واحد، حيث وقع الاختيار على فلسطين، كأرض المعاد حسب عقيدتهم التلمودية، ومن أجل هذا كان هدفهم تفريغ أرض فلسطين من سكانها الأصليين، واستيطانها بكافة السبل والوسائل والإمكانات ترغيبا وترهيبا، وإحلال يهود الشتات مكان الشعب الفلسطينيِ.
وعليه فالصهيوني يمكن أن يكون يهودياً، أو مسيحيا، أو يدعي الإسلام، كما يمكن أن نجده وثنيا، وقد يكون هندوسيا، وقد يكون ملحدا، فكل من يتبنى الفكرة فهو صهيوني.
ويمكن أن نشير إلى مسألة خطيرة وهي أن الذين يؤمنون مثلا بحل الدولتين، أو الذين يؤمنون بحق اليهود في أي جزء من أرض فلسطين المحتلة، فهو صهيوني، من خلال هذا التعريف، مع اختلاف في الدرجة، فلا يمكن أن نقارنه مثلا من يؤمن بأن فلسطين كل فلسطين التاريخية هي للصهاينة، فشتان بين الصهيونية بالاعتقاد، والصهيونية بالعمل.
ولمواجهة هذا التغول الصهيوني يجب الإبقاء على القضية الفلسطينية كقضية مركزية، ليس بسبب ما يعانيه الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الفاشي، لأن معاناة الشعب الفلسطيني ليست أكثر من معاناة شعوب أخرى.
ولكن مركزية القضية الفلسطينية مستمدة من طبيعة العدو الصهيوني الذي لديه وظيفة مركزية أقيمت دولته من أجلها، حيث إن الغرض الرئيس من زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة الإسلامية هو الإبقاء عليها ضعيفةً منقسمة مجزأة ممزقة متنازعة، تتنازعها المصالح الضيقة، وتفرقها الصراعات المذهبية، والطائفية والإثنية والفئوية.
فالكيان الصهيوني بمثابة المقياس الذي زرع في جسم الأمة، يقاس به مدى تخلف الأمة الإسلامية وفقرها وتبعيتها وتغريبها وانسلاخها عن مبادئ دينها، فاستفحال هذه الظواهر يمكن الكيان من فرض هيمنته وسطوته، وهنا تظهر لنا مكانة فلسطين، التي أصبحت ميزانا يقاس به مدى تقدم الأمة أو تأخرها.
وهنا يمكن وضع تفسير للثورات المضادة التي اشتعلت بعد الربيع العربي، التي جاءت لنسف كل محاولات الإصلاح، والتقدم العلمي والحضاري والسياسي، وإنهاء الاستبداد والديكتاتوريات، وبناء نموذج حضاري مبني على ثوابت الأمة الإسلامية، لأنها تهدد وجود وأمن الكيان الصهيوني ومن وراءه.
ومن أبرز مكونات المواجهة بالإضافة إلى ما سبق ذكره:
- استمرار الشعب الفلسطيني كرأس الحربة في هذا الصراع بمعنى أنه لا بد أن يبقى على أرضه.
- إقبار مخططات صفقة القرن التي من أهدافها طرد الفلسطينيين من أرضهم، حتى لا يبقى شيء للصراع عليه.
- الاشتباك الكامل والمستمر مع الحركة الصهيونية في العالم على جميع الأصعدة: سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وإعلاميا وقانونيا وإنسانيا وحقوقيا وأكاديميا.
- مقاومة التطبيع وتظافر جهود الأمة لإقبار هذه المخططات المشبوهة ومحاصرة وفضح أهدافها.
- تفكيك هذا الكيان الصهيوني، وإذا لم تستطع الدول الأوروبية أن تستوعبهم، فالعالم الإسلامي يستطيع أن يستوعب اليهود غير المعتدين، كما استوعب أسلافهم من قبل، دون المساس بحقوق الشعب الفلسطيني ومقدسات الأمة.