التعريف
النزعة الإنسانية هي اتجاه فكري عام تشترك فيه العديد من المذاهب الفلسفية والأدبية والأخلاقية والعلمية، ظهرت النزعة الإنسانية في عصر النهضة الأوربية.
التأسيس وأبرز الشخصيات
ظهر المذهب الإنساني في إيطاليا في بداية عصر النهضة الأوروبية.
وأبجديات النزعة إنما تترجم الانتفاضة التي عبّرت عنها النهضة الأوروبية باعتبارها تغيراً في الفكر نجم عنه تغير في جميع شؤون الحياة. فالإنسان الأول كان مكبلاً بقيود الكنيسة طوال فترة الإظلام الفكري المسماة بالعصور الوسطى والتي استطالت إلى أكثر من عشرة قرون، إذ كان خلالها مطالباً بالطاعة العمياء لرجال الدين وكان يُساق كما يساق القطيع، ويكفي أنه من طبيعة فاسدة بسبب الخطيئة الأصلية!!
أما المرأة فهي لا ينبغي أن تُحَب لأنها سبب الخطيئة، لذا عزف رجال الدين عن الزواج بها. وإذا سمحوا لغيرهم بالارتباط بها بالزواج فذلك فقط باعتبارها وسيلة للإنجاب واستمرار البشرية.
أما الرجال فهم وسيلة أيضاً لتحقيق أهداف الكنيسة، وكل من خرج على هذه الأهداف يواجه الموت حرقاً.
ومن أسماء الرواد الأوائل للمذهب الإنساني “بوجيو” و”بروني”، والمحامي “مونتبلشيانو” وكلهم عاشوا خلال القرن الخامس عشر الميلادي.
“أراسمس” ولد في “روتردام” سنة 1466م ويعد من أكبر ممثلي المذهب الإنساني من ناحية معرفته بالأدب اليوناني واللاتيني.
في فرنسا مثل المذهب “ستيفانوس” و”سكاليجر” و”دوليه”.
ويعد “رينيه ديكارت” 1956 – 1650م الفيلسوف الفرنسي من أنصار المذهب الإنساني ولكنه يؤمن بوجود الله تعالى.
وكذلك “سبينوزا” 1632 – 1677م الفيلسوف الهولندي وهو يشبه “ديكارت” في الاعتقاد.
وكتابات “جان جاك روسو” 1712 – 1778م تحمل الطابع الإنساني.
و”جون لوك” 1632 – 1704م الفيلسوف الإنجليزي كان إنساني المذهب.
والفيلسوف الألماني “كانط” 1724 – 1804م في مذهبه الانتقادي كان إنساني المذهب.
والفيلسوف “شيلر” المتوفى سنة 1937م الإنجليزي الألماني الأصل.
والكاتب الفرنسي “فرانسيس بوتر”، ألف كتاباً بعنوان المذهب الإنساني بوصفه ديانة جديدة.
والأديب الإنجليزي “ت.س. إليوت” 1888 – 1965م يعتبر نفسه من أتباع المذهب الإنساني، وهو من أبرز ممثلي الشعر الحر.
الأفكار والمعتقدات
تأكيد الفردية الإنسانية:
في مجال الدين: الاستجابة لحكم الفرد الخاص ضد سلطة الكنيسة وتأييد فكرة ظهور الدول القومية.
في مجال الفلسفة: تأكيد “ديكارت” للوعي الفردي عند المفكر وشدة الاعتماد على الفعل وتغليب وجهة النظر المادية الدنيوية.
قصر الاهتمام الإنساني على المظاهر المادية للإنسان في الزمان والمكان.
المذهب الإنساني أوحى بالأفكار التحررية لقادة الفكر في عصر النهضة الأوروبية ووصل إلى ذروته إبان الثورة الفرنسية.
الثقة بطبيعة الإنسان وقابليته للكمال، وإمكان حدوث التقدم المستمر.
تأكيد أن الشرور والنقائض التي اعترضت طريق الإنسان لم يكن سببها الخطيئة كما تقرر النصرانية، وإنما كان سببها النظام الاجتماعي السيئ.
الدفاع عن حرية الفرد.
إمكان مجيء العصر السعيد والفردوس الأرضي، ويكون ذلك بالرخاء الاقتصادي، وتحقيق ذلك يكون بتبديد الخرافات والأوهام ونشر التربية العملية، (وتدخل كل المعتقدات الدينية الغيبية في خانة الخرافات والأوهام عند أتباع هذا المذهب).
وقد نقد الفلاسفة والمفكرون الإنسانية ومن أهم ما جاء في نقدهم:
إن تقدم العلم الحديث لم يصحبه تقدم في قدرة الإنسان على حسن استعمال العلم.
وإن البشر وجهوا اهتماماتهم جميعاً إلى المسائل الدنيوية، ونسوا كل ما يسمو على ذلك وتركزت مطامعهم في الأشياء الزائلة التي يسرها لهم العلم، وحدث من جراء ذلك صدع بين تقدم الإنسان في المعرفة وتقدمه الأخلاقي.
إن الإنسانية تؤكد على زيادة خطر الإسراف في الاعتماد على الآلة، فهذا الإسراف قد يقضي على الأصالة والابتكار.
كما أن الأسس الأخلاقية لا تصلح إلا إذا استندت إلى الاعتقاد بوجود نظام أسمى من النظام الدنيوي والإيمان بالمبادئ الخالدة المطلقة، أما إذا اقتصرت الآداب على أن تكوم خاضعة للمواءمة بين الإنسان وبيئته، كلما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال، فإنها بذلك تفقد قيمتها العامة.
وطريق “الخلاص” هو رفع الأخلاق، ولا يحدث هذا إلا بإيحاء من الإيمان الديني، أما الآداب العلمانية فلا تمنحنا “الخلاص”.
إن المذهب الإنساني قدم للإنسانية وعوداً لم يحققها، كما أنه أفقد الناس الشعور بالحقائق الروحية، وجعل الناس عبيداً للقوى المادية العمياء.
إن وجود الشر ينقض أداء المذهب الإنساني لصلاح الإنسان وقابليته للتقدم.
وقد عزى الناقدون إخفاق عصبة الأمم في تسوية المشكلات في العالم وانتشار الفاشية والنازية إلى ظهور المذهب الإنساني.
إن عيوب المدنية الغربية ترجع في الغالب الأعم منها إلى المذهب الإنساني في تياره الإلحادي.
ومن أهم الأفكار التي تبنتها النزعة الإنسانية ما يلي:
يجب على الإنسان أن يبحث دائماً عن معنى وجوده وحياته.
الحياة في حد ذاتها شيء رائع ويستحق أن يعيشها الإنسان مهما احتوت على صراعات وتناقضات وآلام.
على الإنسان أن يواجه الألم ويتسلح بالأمل في نفس الوقت.
على الإنسان أن يهتم بالمادة قبل الروح لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع إدراكه والسيطرة عليه.
إن الطريقة الوحيدة كي يحقق الإنسان إنسانيته هي في التمتع بكل الملذات الجسدية والحسية لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان لمسه وإدراكه.
الجذور الفكرية والعقائدية
إن الحركة الفكرية التي نشأت في عصر النهضة الأوروبية هي الأساس في ظهور الإنسانية. وكان الوقود الذي أشعل هذه الحركة يحتوي على الفكر اليوناني الوثني المعارض للفكر الديني، والآداب اليونانية واللاتينية ومن هنا كان شعار الإنسانية كلمة الفيلسوف اليوناني القديم: “إن الإنسان مقياس للأشياء جميعها”، فضلاً عن انغماس الإنسان بالمادة في بدايته، وحب اكتناز المال والثروات، والاستمتاع بالحياة الزائلة.
أماكن الانتشار
انتشرت الإنسانية في أوروبا ثم عمت الغرب والشرق ومعظم سلبيات المدنية الغربية الحاضرة تعتبر ثمرة من ثمارها.
ويتضح مما سبق
أن النزعة الإنسانية هي مذهب فلسفي أدبي مادي لا ديني، يؤكد فردية الإنسان ضد الدين ويغلب وجهة النظر المادية الدنيوية وهو من أسس فلسفة “كونط” الوضعية وفلسفة “بتنام” النفعية وكتابات “برتراند راسل” الإلحادية، وهذا يعني فشل هذا المذهب على الصعيد العقدي، أما فشله على الصعيد العملي الواقعي المؤثر بصورة ملموسة في أسلوب سلوك الفرد، فدليله أنه منَّى الإنسان بأمان كاذبة لم تتحقق على الإطلاق، ونسي أن طريق “الخلاص” لا يمكن أن يتم إلا من خلال خاتم الأديان.
وهذا أمر ينبغي أن يتنبه له المسلم وهو يتعامل مع نتاج هذا المذهب وكل المذاهب الفكرية المادية، حيث أن الإسلام قد كرم الإنسان، وتعاليمه كلها إنسانية (ولقد كرمنا بني آدم..)، لكن بعض الناس يختار الكفر فيسلبه الله هذا التكريم (أولئك هم شر البرية).
هذا بالإضافة إلى كون أوربا وأمريكا نفسها قد تجاوزته بعد اعتناقها لأفكار الحداثة وما بعد الحداثة، حيث تم تفكيك الإنسان وتشييئه واعتباره جزء من مكونات الطبيعة لا فرق بينه وبين القرد أو العِجْل أو الآلة.
فشتان بين نبل الدين الإسلامي الذي جعل من الإنسان أكرم المخلوقات وسخرها له ليحقق معنى السمو المتمثل في الإقرار بوحدانية الله والامتثال لأوامره وبين وضاعة المذاهب المادية الإنسانية التي انحدرت بالعنصر البشري حتى سوَّت بينه وبين الهوام والحشرات.