إن الخلاف بين السنة والشيعة قد مر بمراحل كثيرة، وخضع لظروف متغيرة، وتنامى وتزايد خلال ثلاثة عشر قرنا، ليصير إلى حالة عصيبة ليس من السهل تقييمها بأنها تعدد فكري أو خلاف سطحي، بل أصبح صراعا متشعبا يحمل في طياته الكثير من الحقد، والكثير من الضغائن، خصوصا من قبل الشيعة الذين لا يريدون نسيان الماضي بما فيه، ولا يرغبون في تجاوز القضايا التي عفا عنها الزمن، وما زالت طقوسهم مليئة بالدماء والحزن والبكاء، وما زالوا ينتظرون خروج قائم آل محمد الذي سيرد لهم ثأرهم وينتقم لهم ممن ظلمهم، على حد تعبير كتبهم وما جاء في أورادهم وأدعيتهم..
وإنه لمن المؤسف حقا، أن يكون في المسلمين، من يحلم باليوم الذي يخرج فيه المهدي كي يخرج أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من قبرهما ويحرقهما ويذريهما في الريح، ويجلد عائشة الصديقة رضي الله عنها، وإن استغربت أخي من هذا الكلام فلا تتعجل في نقده حتى تطلع على كتبهم، وترى رواياتهم التي أوردت بعضها في كتابي ” الفاضح” من مصادرهم المعتمدة كالكافي للكليني وغيره.
نعم، إن الشيعة تحمل من الحقد ومن العداء، ما يجعلها متشوقة إلى اليوم الذي تنقض فيه على أهل السنة، متربصة بهم الدوائر، لا تكاد تضيع فرصة الانتقام والأخذ بالثأر.
والمتتبع لتاريخ المجتمعات التي اختلط فيها الشيعة والسنة، يرى أن الشيعة لم تفوت فرصة الانتقام، ولم تنعم هذه المجتمعات بالهدوء والاستقراء إلا عندما يضعف الشيعة ويختبئون تحت التقية، فالشيعة في المجتمع السني لهم حالتان:
1- حالة التقية.
2- حالة الانتقام.
وسننتقل في جولة عبر الزمان والمكان، لنقف على بعض هذه المناطق التي دخلها التشيع، وأحالها إلى بؤر ساخنة لا تكاد تهدأ.
أ- العراق
سنة 361: في هذه السنة وقعت فتنة عظيمة وأظهروا العصبية الزائدة، وتحزب الناس، وظهر العيارون(1 ) وأظهروا الفساد، وأخذوا أموال الناس. وكان سبب ذلك ما ذكرناه من استنفار العامة للغزاة فاجتمعوا وكثروا فتولد بينهم من أصناف البنوية والفتيان والسنية والشيعة والعيارين، فنهبت الأموال وقتل الرجال وأحرقت الدور، وفي جملة ما احترق محلة الكرخ وكانت معدن التجار والشيعة( 2).
سنة 398: وفيها وقعت الفتنة ببغداد في رجب، وكان أولها أن بعض الهاشميين من باب البصرة، أتى ابن المعلم فقيه الشيعة في مسجد بالكرخ، فآذاه ونال منه، فثار به أصحاب ابن المعلم واستنفر بعضهم بعضا، وقصدوا أبا حامد الأسفرايني وابن الأكفاني فسبوهما، وطلبوا الفقهاء ليوقعوا بهم فهربوا، وانتقل أبو حامد الأسفرايني إلى دار القطن، وعظمت الفتنة، ثم إن السلطان أخذ جماعة وسجنهم فسكنوا، وعاد أبو حامد إلى مسجده، وأخرج ابن المعلم من بغداد فشفع فيه علي بن مزيد فأعيد(3 ).
سنة 461: وفيها كانت ببغداد فتنة هائلة بسبب الاعتقاد ونهب بعضهم بعضا، فركب الجند وقتلوا جماعة فسكنوا على حنق، وتشفت الرافضة بهم(4 )
وليس ما نراه اليوم من أحداث دامية في العراق سوى امتداد لهذا التاريخ المتوتر والذي تغذيه نصوص متطرفة تأمر بقتل السني وتثيب على ذلك، ومن الجدير بالذكر أننا لا نجد لدى السنة نصوصا مقدسة تأمر بقتل الشيعي، بينما نجد في الكتب الشيعية مئات من هذه النصوص…
ب- باكستان
ذكر الصحفي عبد الرحمن مطر في برنامج “مهمة خاصة” الذي عرض في قناة العربية بتاريخ 14/1/2004 بعنوان الفتنة المتسترة والذي عرض فيه حالة الصراع الباكستاني بين السنة والشيعة، قال: “ألم المعاناة من استمرار المأساة هو المسيطر على كل أوجه ومناحي حياة من دفعوا ثمن الخلاف الطائفي بين سنة وشيعة باكستان, ذلك الخلاف الذي كان يشتعل ويخبو خلال الـ 20 سنة الماضية، تبعاً للظرف السياسي, وهو ظرفٌ لا يتوانى عن استعمال الدين لتحقيق مآربه, مستغلاً حالة الجهل المتفشّي بين أفراد المجتمع, أربعة آلاف مواطن على الأقل، أُزهقت أرواحهم وخرجوا من الدنيا مخلّفين وراءهم آلاف العائلات تعاني منذ سنوات طويلة ولا تزال”(5 ).
وذكرت صحيفة “البي بي سي” بتاريخ 1/3/2004 هذا الخبر: “..وكانت باكستان قد تعرضت لموجة من القلاقل الطائفية منذ إعدام حق نواز يوم الأربعاء الماضي وهي المرة الأولى التي يعدم فيها سني متشدد.
وقتل شخصان آخران في اشتباكات بين أهل السنة الغاضبين والشرطة في مدينة بونجاب، وقد راح ضحية العنف الطائفي بين السنة والشيعة في باكستان نحو ثلاثة آلاف شخص خلال السنوات العشر الماضية)(6).
ج- البحرين
تعتبر البحرين دولة سنية، لكن الإحصائيات تقول إن عدد الشيعة فيها أكثر، لذا وبعد انتصار الثورة الإيرانية، بدأ الشيعة يحاولون قلب نظام الحكم في البحرين.
وقد كانت سنة 1996 بمثابة الضربة القاضية للشيعة في البحرين، حيث تمكنت السلطات من تفكيك ما يسمى “حزب الله البحرين” الذي كان قد تأسس منذ سنة 1993 في قم بإيران، بمساندة حرس الثورة الإيراني، وبدأ في تدريب الشباب البحريني في سوريا ولبنان، وتم إدخال الأسلحة إلى البحرين، عن طريق البحر، بمساعدة ضابط من الحرس الثوري الإيراني.
وقد قام الشيعة بأعمال شغب، في تلك الفترة، وقتلوا وخربوا ودمروا الممتلكات، لكن تمكنت الدولة من إيقاف هذه الأعمال، وتم تفكيك “حزب الله البحرين” وإلقاء القبض على الزعامات والقيادات، وكان من أشهرهم المدعو: “خليل إبراهيم عيسى” والمدعو “عادل الشعلة” ( 7).
وقد كانت لها محاولة أخرى سنة 1980 لقلب النظام بالقوة إبان الثورة الإيرانية، لكنها باءت بالفشل.
إن اجتماع المذهب الشيعي والسني في مكان واحد، هو بمثابة اجتماع عناصر الانفجار في عبوة واحدة، بحيث لا تحتاج أكثر من حركة خفيفة لتنفجر في أي وقت.
ويجب أن نأخذ هذا البعد بعين الاعتبار في معالجتنا لقضية الشيعة في المغرب، فليس بالإمكان أن نتوقع وجود مجتمع شيعي في المغرب، دون أن نتوقع وجود مثل هذا النزاع الدموي الذي عاش المغرب بعيدا عنه سنين عديدة، إلى أن ظهرت هذه المجموعات التكفيرية، مع أن الفرق بينها وبين الشيعة كبير من حيث قوة الدعم المعرفي والمادي الذي يحظى به الشيعة.
وعلى المسؤولين في الدولة أن يعوا درجة الخطر الذي يمكن أن يشكله هذا التيار السياسي الديني، ويقفوا في وجهه حتى لا يعظم أمره ويستطير خطره، فتحصين الناس من التشيع أمر يسير، لكن رجوع المتشيع عن مذهبه أمر في غاية الصعوبة نظرا لأبعاد العقيدة الشيعية التي تنسف مصدري التشريع القرآن والسنة، فتشكك في الرواة، وتجعل فهم القرآن خاصا بالأئمة، فيفسرونه على ما يريدون، فيصعب عند ذلك إيجاد أي باب من أبواب الحوار.
[1] العيارون هم أشخاص يقومون بالسير عبر الأسواق والأحياء، يرددون أقوالا مسجعة يعيرون فيها الشيخين والصحابة.
[2] الكامل في التاريخ لابن الأثير 8/619
[3] الكامل في التاريخ ابن الأثير9/208
[4] تاريخ الإسلام للذهبي 31/36
[5] موقع العربية للأخبار www.alarabia.com
[6] نقلا عن موقع البي بي سي للأخبار www.news.bbc.co.uk
[7] نقلا عن موقع شركة الآل.