تلك ولا ريب معالم المحبة عند الأدعياء الجدد فهم المحبون حقا وصدقا ومن دونهم فحصرا هو المبغض، وهذه المعالم عند القوم صارت قواعد مؤصلة وعليها انبنت الكثير من المحدثات والبدع التي صار لها السبق والأفضلية بل صارت لها بوق وطبل وناي، وشد رحال إلى البقع المباركة، ونذر ونسك وبيع وصلوات، وسروج وقرابين تدفع للأموات والحفر والأشجار، فيأخذها خلسة وعلانية سدنة أشراف يبنون بها المغاني ويشترون بها الضيعات ويركبون السيارات الرباعية الدفع، ويتمتع حفدتهم الشرفاء بامتيازات الدراسة في الخارج وقضاء عطلهم على اليخوت.
لا شك أن الضلال يصنع في عقول معتنقيه والمنافحين عن ظلاميته طقوسا ورهبانية تتناسب مع ما هم فيه من ذل وجهل وهوان، فيمضون في اعتساف أباطيل وأكاذيب، ثم ينسجون حولها هالة من القداسة الزائفة والمزايا الحائفة، وبتفاني طالب الحق ناشد الهروب من حياة الرق، يحسبون أنهم يحسنون الصنعة ويتقون الصنيع، صنعة الوعظ الخرافي وصنيع الأقاصيص التي تسرد للبهر، والأوراد التي يجتهد النائمون الأشراف في تدبيج سياقات ألفاظها الروحانية ليأخذها بسند الحي عن الحي أهل اليقظة وليشترك الجميع بقراءتها جهرا مع هز الأكتاف وخفض الأرداف ولوك عبارات الشهود والقرب والإغراق!
يقع كل هذا في حين ينزوي أهل الحق ويحاصرون في خندق الاتهام، ويقذفون بمراسيل الأنباز المسمومة ابتداءا بالوهابية ذات الدين الجديد، ومرورا بالسلفية ذات البأس الشديد، وانتهاء عند مصطلحات أهل السنة والجماعة و”الفرقة الناجية” و”الطائفة المنصورة” مصطلحات العنصرية الدينية التي ركب أهلها سفينة النجاة وبقي النابزون للطوفان والهلاك..
وتساق كل هذه التهم الجاهزة والانباز المفصلة سوقا مجردا عن الأدلة الشرعية لا يلتفت إلى تزكية خطابه الاجتزائي إلا بمضغ حكايات الأولياء واجترار الأحلام والمنامات وخيالات هي أشد فتكا من السموم وأقوى نخرا من الخلايا السرطانية وبين هذا الاجترار وذلك الحصار، يتوارى الحق وراء هذه المصنوعات الصوفية، وخلف سواتر السبحات البلورية الضخمة تطفو على السطح الأفكار السرابية التي خرج من رحمها أدعياء المحبة الجدد، وصيغت مفاهيم قشيبة تجاوزت ما هو معلوم من الدين بالضرورة إلى الأسرار الباطنية والحقائق الربانية كآليات تعبدية فعالة في تحقيق القرب والإحسان، دونما حاجة إلى تكاليف شرعية صارت تنعت في ظل هذه البيئة العفنة بشريعة العوام وصارت أيام عزها ماض أثري لا علاقة له بما يشهده الحاضر من صحوة دينية يقودها مدعو النبوة الجدد أصحاب الرباطات والمشاهد التي تشد إليها رحال الراغبين في دخول الجنة وورثة الفردوس، وُعود مختومة بعبارة “رفعت الأقلام وجفت الصحف” والموقعة من الذين نالوا رضا الله فأوكلوا لأنفسهم إفاضة ماء الرضا وري شجرة المحبة ومنح تأشيرة الجنة إلى فقراء الطرقية ومريدي الأضرحة والمشاهد، وزوار الحفر المسكونة بالأرواح والأقطاب التي صار من اختصاصها المنع والعطاء والإفقار والإغناء والإماتة والإحياء والإيجاد والإيلاد…
وبتقدير من جامع الناس ليوم لا ريب فيه، اجتمعت بصديق كان حتى الأمس القريب من مريدي بيت الله المواظبين على شهود صلاة الجماعة، لكنه اليوم وبعدما نهل من حظوظ الولاية وترقى سلم الأوراد المورودة وبلغ منزلة اليقين استغنى عن عماد الدين ومناط السؤال يوم لقاء رب العالمين، فسألته عن شيخه فأحب أن تكون نستالجيا التأسيس حاضرة، حيث بدأ حديثه عن فضل مادة “التشيشة” ودورها في قضية الإطعام من الجوع وتحقيق الأمن الغذائي للفارين من قساوة الفقر، المكتوين بلهيب توالي السنوات العجاف، المحتمين بظل الزاوية الظليل، بعدها.. استرسل في ذكر نسب الشيخ وشجرة السر المبارك الذي توارثه ابتداء بالصحبة والملازمة، ثم آل مآله إلى سلالة الشيخ النقية الحسب الشريفة النسب، ثم حدثني عن أبنائه الذين جمعوا بين علوم الدنيا والدين، وكان كلما ذكر اسم شيخه إلا وأردفه بعبارة قدس الله سره وسيره!
ثم سألته عن سبب زيارته مؤخرا إلى قرية مداغ الحرام!
فأجابني بأن نيل محبة الله ورسوله يقتضي لقي الشيخ والسماع منه، والتبرك بتقبيل يديه الكريمتين، علو سند على شرط الإمام البخاري.
ثم سألته عما تقدمه تلك الشطحات أو الحضرة لمريدي الطريقة فأجابني إجابة من ذاق فعرف قال: بفضل الحضرة يستطيع المريد وهو سائر إلى الله أن يتخلص من العلائق والشوائب التي تصد النفس وتحول بينها وبين الكمال، حيث شهود مشهد الإغراق بل بفضل الحضرة يستطيع المريد أن يحصل على تنقية روحه التي بين جنبيه، أضف إلى ذلك أن الذكر اللدني الذي يأخذه المريد وذلك بتدرج حذر من شيخه توخيا لحصول التخلية ابتداءا ثم يبدأ المريد بعد ذلك في أخذ أوراد التحلية كبساط يضمن وصول المريد إلى مشهد الفناء في الذات الإلهية، مرحلة يبلغ فيها السالك منزلة اليقين فتسقط عنه تكاليف العوام من صلاة وصيام وحج، إذ يشغله ذلك عن التمتع بفناء المعرفة في المعروف وفناء العيان في المعاين وفناء الطلب في الوجود!
ثم سألته بقصد غير بريء عن نسب النبي صلى الله عليه وسلم وكم كان له عليه الصلاة والسلام من ولد؟ ولقد خرج ظني من دائرة بعضه ولم يكن إثما فقد خيم على صديقي صمت رهيب ولم يكن من جوابه الشحيح إلا ذكر فاطمة الزهراء أما الباقي فقد قال لي وقد استعاد رباطة جأشه أن ذلك مبثوت في كتب السير يغني كثرة نشره عن ذكره…
تلك ولا ريب معالم المحبة عند الأدعياء الجدد فهم المحبون حقا وصدقا ومن دونهم فحصرا هو المبغض، وهذه المعالم عند القوم صارت قواعد مؤصلة وعليها انبنت الكثير من المحدثات والبدع التي صار لها السبق والأفضلية بل صارت لها بوق وطبل وناي، وشد رحال إلى البقع المباركة، ونذر ونسك وبيع وصلوات، وسروج وقرابين تدفع للأموات والحفر والأشجار، فيأخذها خلسة وعلانية سدنة أشراف يبنون بها المغاني ويشترون بها الضيعات ويركبون السيارات الرباعية الدفع، ويتمتع حفدتهم الشرفاء بامتيازات الدراسة في الخارج وقضاء عطلهم على اليخوت، وجوههم كأنها القيعان المصفصفة التي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، بفعل الحلق في الصالونات المصنفة نور على نور كما يطيب للمريد أن يقول وهو يرى هذه الوجوه وهذا العرق النقي… وما دونه فظلمات بعضها مركوم فوق بعض لِحًى مطلوقة وشوارب محفوفة ووجوه عليها غبرة وقمصان على خصومة مع نعالها وقائمة قذائف مجانيق القوم لا يحويها عد ولا تحصى إلا بِكَد.
فاللهم لك الحمد أن هديتنا إلى أن نذكرك بكلمتيك الثقيلتين في الميزان الخفيفتين على اللسان الحبيبتين إليك يا رحمن لفظا وهيئة، وجنبتنا أن نهجر بضمير الغائب المنفصل الذي يغني إبهامه عن شهوده في حلقات مشبوهة تأزها الشياطين أزا وتهجرها ملائكة الرحمن هجرا، ولك الشكر يا ربي على كمال دينك وتمام نعمتك، فلسنا في حاجة إلى وسيط بعد محمد والصحب الكرام ونحن في غنى عن من يسر لنا بالصلاة السِّنَّورية والصلاة الصولجانية والأوراد المدخونة التي تباع في سوق المحدثات السوداء، فقد علمنا محمد بن عبد الله كيف نصلي ونسلم عليه، ودلنا على ربه ومرسِله بجوامع الكلم، البعيد عن الهرطقات المشفرة، حتى تركنا على المحجة البيضاء التي كان من آياتها أن ليلها كنهارها، وكفانا به أسوة وقدوة، فقد كان يقوم الليل وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، وهو بين هذا وذاك عبد الله ورسوله، يغضب إذا قام له الصحب تعظيما، وأوصانا وهو على فراش الردى فقال: لا تطروني كما أطرت النصارى بن مريم، ويقول: “اللهم لا تجعل قبري بعدي وثنا يعبد”، فمن رغب عن سنته فليس منه، جعلني الله وومن قرأ مقالتي ممن سمع وأطاع، ونودي فأجاب، وادعى المحبة فأثبتها بالاتباع، مصداقا لقوله تعالى: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” آل عمران31.
وجنبني وإياكم من أن نكون مع الذين قال في حقهم الحق سبحانه: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ” الأنعام93.