عجبا لحال الكثير من الناس في هذه الأزمان ضعف عندهم التمسك بالسنة، والذب عنها ـ لا في المسائل العملية فحسب بل تعداه إلى المسائل العلمية والعقدية- وما علموا أن شرف المؤمن ومنزلته تقاس باتباعه للسنة وحبه لاقتفاء أثرها، فكلما كان العبد تحريه للسنة وحه لها وذبها عنها أكثر، كان بالدرجات العلا أحق وأولى وأجدر.
قال تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً”.
قال الجنيد رحمه الله: “الطرق كلها مسدودة، إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتبعين سنته وطريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)”.
وقال عروة بن الزبير: “السنن –أي الزموا السنن السنن- فإن السنة قـِوَامُ الدين”.
وكان الإمام بهلول بن راشد المالكي رحمه الله كثيرا ما يسمع منه قوله: “السنة السنة” ويُلحُّ عليها.
وقال أبو بكر بن عياش: “السنة في الإسلام: أعز من الإسلام في سائر الاديان”.
ومن أعظم الأمور التي تعين على التمسك بالسنة، مصاحبة أهلها والحذر من مخالفيها، فإن الصاحب ساحب، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”.
قال الناظم:
أنت في الناس تقاس *** بالذي اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلوا *** وتنل ذكرا جميلا
فما كل أحد يعاشَرُ ويسارَر ولا يصاحَب كما قال القرافي رحمه اله بل لا بد أن يتصف الصاحب بصفات تؤهله لذلك، ومن أهمها أن لا يكون صاحب بدعة كما بينه الغزالي رحمه الله في الإحياء.
وما ذاك إلا لأن صحبة المبتدع تورث الشبهة كما أن صحبة الفاسق تورث الشهوة.
قال أحد السلف: “صحبة أهل البدع تورث الإعراض عن الحق”.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: “من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمع”.
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: “من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة”.
فاحذر -إذن- من صحبة أهل الأهواء والبدعة وعليك بصحبة أهل السنة فإن صحبتهم نعمة وسعادة ونجاة وسلامة.
قال ابن شوذب رحمه الله: “إن من نعمة الله على الشاب إذا تمسك أن يؤاخي صاحب سنة، يحمله عليها”.
وقال أيوب السختياني رحمه الله: “إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة”.
وقال ابن أسباط رحمه الله: “كان أبي قدريا وأخوالي روافض، فأنقذني الله بسفيان”.
ولما علم السلف الصالح رضوان الله عليهم أهمية صاحب السنة وصحبته وملاقاته، كانوا يحزنون لوفاته، كما كانوا يفرحون بوجوده.
قال أيوب السختياني رحمه الله: “إني لأخبر بموت الرجل من أهل السنة، فكأني أفقد بعض أعضائي”.
وقال يوسف بن أسباط رحمه الله: “إذا بلغك عن رجل بالمشرق أنه صاحب سنة، فابعث إليه بالسلام، فقد قل أهل السنة”.