ما أكثر ما يأتي الشيطان إلى صاحب الدين الراغب في نصرة المسلمين والغيور على دين رب العالمين من هذه الجهة, فيقوده إلى الغلو والانحراف في الدين, تارة تحت مسمى الجهاد بلا شرط ولا ضوابط ولا إعداد, وتارة تحت مسمى الولاء والبراء دون سير على نهج السلف الأجلاء, أو تحت مسمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا فقه ولا قواعد تذكر.
وهذا ما حصل للخوارج قديما وحديثا, فشحنوا النفوس بالقيل والقال, والدعوات الباطلات, وبثوا في الأمة الشبهات, فجروا إليها الويلات, فصارت المعركة داخل الأمة بعد شيوع الخلافات وما عملوا لجهلهم بأن تفويت الفرصة على الأعداء من عمل أصحاب العقول النيرات, فنشكوا حالنا إلى رب الأرض والسماوات.
وأصل هذا الإنحراف وأساسه الخروج عن طريقة فقهاء الأمة, والإعراض عن نهج حكماء الملة, والتولِّي عن سبيل علماء السنة.
فلماذا الرجوع إلى العلماء؟ ولماذا على نهج الفقهاء؟
فنقول جوابا لأن:
1ـ العلماء هم أهل الفقه والأثر, وأصحاب الاستنباط والنظر.
قال تعالى: “وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً”
قال البيضاوي رحمه الله: “إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ” إلى رأيه ورأي كبار أصحابه البصراء بالأمور أو الأمراء (لَعَلِمَهُ) لعلموا ما أخبروا به على أي وجه يذكر (الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) يستخرجون تدابيره بتجاربهم وأنظارهم” تفسير البيضاوي 225.
2- العلماء هم أهل الثبات والاطمئنان والرسوخ, قال الإمام ابن القيم رحمه الله واصفا شيخه ابن تيمية رحمه الله: “وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا، وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد منا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض، آتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة” الوابل الصيب67.
3ـ العلماء أهل معرفة بعلامات الفتن وبوادر إقبال المحن والإحن.
قال الحسن البصري رحمه الله: “الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم, وإذا أدبرت عرفها كل جاهل”.
4- العلماء ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين كما في الحديث المشهور.
“قال الإمام أحمد رحمه الله في في خطبته المشهورة في كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى, ويصبرون منهم على الأذى, ويحيون بكتاب الله تعالى الموتى, ويبصرون بنور الله أهل العمى, فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه, وكم من ضال تائه قد هدوه, فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم, ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين, الذين عقدوا ألوية البدعة, وأطلقوا عنان الفتنة, فهم مختلفون في الكتاب, مخالفون للكتاب, مجمعون على مفارقة الكتاب, يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم, يتكلمون بالمتشابه من الكلام, ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتنة المضلين” إعلام الموقعين 1/9.