زلزال الناظور دروس وعبر ذ.محمد بوشنتوف

يشهد إقليم الناظور منذ شهر يوليوز من السنة الجارية عدة هزات أرضية، بلغت حدتها 4 على السلم العالمي ريشتر حسب معطيات المعهد الوطني للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني والتي أحدثت فزعا كبيرا في نفوس الساكنة، وتوالت بعد ذلك عدة هزات ارتدادية خفيفة جعلت الكل يتذكر زلزال الحسيمة 2004 الذي خلف أزيد من 600 قتيل، الأمر الذي استدعى مغادرة المواطنين لمنازلهم ونصب خيام بلاستيكية، وهجرة البعض الآخر إلى مدن أخرى… 

وفي غياب التغطية الإعلامية الوطنية للحدث عمدت بعض المواقع والمنتديات المحلية الريفية إلى نشر مجموعة نصائح وتوجيهات حول كيفية التصرف في حالة حدوث الزلزال. مقالات تنصحك بالاختباء..!! تحت طاولة قوية.!!! وأخذ الحيطة من أن جميع الصور المعلقة على الحائط مثبتة جيدا لكي لا تقع علينا فيما لو حدثت هزة أرضية. دون نسيان إحضار عيدان ثقاب، شمع، وسكين متعدد الاستعمال وأمور أخرى..!!
وانبرى أهل الإلحاد والعلمنة إلى تأويلاتهم الطبيعية وأجمعوا أمرهم وأخذوا يتحدثون عن القشرة الأرضية والصفائح الصخرية وغضب الطبيعة…
ووصل الأمر ببعض الجهال من العوام إلى سب الله عز وجل لحظات الزلزال، قال أحدهم باكيا: والله ما أبكي خوفا ولا ذعرا، إنما أبكي لما سمعته من أبي، فقد رأيته ينظر إلى السماء، يسب الله جل وعلا، ويعاتبه متحديا، إن كان إلها فليبعث بالزلزال إلى اليهود، وألا يوقظنا كل يوم فجرا بالهزات الأرضية…!! (نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ومن الحور بعد الكور).
كانت الأرض تتحرك قُبيل صلاة الصبح بنصف ساعة أو يزيد، ويسبق ذلك صياح البُوم ومواء القطط ونباح الكلاب، بعدها تسمع صراخا وعويلا، وقلما تسمع أحدا كبر أو هلل، وخرج كثير من الناس بلباس نومه أو بغير لباس، ومن النساء من تركت رضيعها، ومن الآباء من قفز من طابق علوي يحضن ابنه الصغير لينقذه من الموت..!!
ولأول مرة غصت المساجد بالمصلين، وأصبحت صلاة الصبح جمعة وأعيادا، وأطال الناس السجود، وما أرادوا بعدها الخروج…!!!

دروس و عبر:
يقول الله تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (الإسراء:59).
لهذا لما حدث الخسف بقارون لم يكن السبب أن القشرة الأرضية كانت لينة أو هينة بل السبب أنه عصى الله ورسوله قال الله عنه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} (القصص:81).
1- الزلازل من آيات الله، ودليل من أوضح الدلالات على قدرته وقوته وعظيم جبروته؛ وضعف أهل الأرض مهما أوتوا من قوة… قال شيخ الإسلام رحمه الله: “والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده، كما يخوفهم بالكسوف، وغيره من الآيات”.
وكون الزلازل لها أسباب يشرحها الجيولوجيون لا ينفي أنها آيات يخوف الله بها عباده، فينبغي ألا يخلط المسلم بين السبب والحكمة، وينبغي ألا يشغله السبب عن الحكمة. فيجب ألا تلهينا التحليلات العلمية والجيولوجية عن الاعتبار والاتعاظ بهذه الآية العظيمة.
وأما التفسيرات المادية التي تقول: بأن هذه المنطقة منطقة زلازل منذ القدم، ومواضع لبراكين خامدة منذ الأزل، وأن لها تاريخاً في ثوران البراكين والهزات، وأنها أمر طبيعي… فهذا تفسير من ابتعد عن نور الوحي.. وهو من تزيين الشيطان.
2- ومن الحكم الإلهية في إيقاع الزلازل: أنها من رحمة الله بعباده المؤمنين في هذه الدنيا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلازِلُ وَالْقَتْلُ) (سنن أبي داود 4278 وصححه الألباني).
3- بالإضافة لما في الزلازل من التخويف والتذكير، والعقوبة للعصاة، وهي تنبه الإنسان للعودة إلى الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (الشورى:30. وعدم الركون إلى الدنيا، التي إن خلت من المصائب لأحبها الإنسان أكثر وركن إليها وغفل عن الآخرة، ولكن المصائب توقظه، وتجعله يعمل لدار لا مصائب فيها.
قال ابن القيم: “وقد يأذن الله سبحانه للأرض أحياناً بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه، والندم”.
وإن من أكبر العظات في الزلازل التذكير بيوم القيامة وبأهوال الآخرة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.
فلمثل هذا اليوم وجب الاستعداد !..
4- وإن كثرة الزلازل التي نراها اليوم لهي من أشراط الساعة:
فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ).
5- قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: “لا شك أن ما يحصل من الزلازل في هذه الأيام في جهات كثيرة هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل فكله بسبب الشرك والمعاصي… لهذا عندما وقعت هزة أرضية في المدينة على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جاء إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عن الجميع وسألها؟ فقالت: كثرت الذنوب في المدينة، فجمع الناس وقال لهم: والله ما رجفت المدينة إلا بذنب أحدثته أو أحدثتموه، والله لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً.
وقال كعب: (إنما تزلزل الأرض إذا عُمل فيها بالمعاصي فترعد خوفًا عن الرب جل جلاله أن يطلع عليها).
لهذا وجب اللجوء إلى الله عند الزلازل والإكثار من الأعمال الصالحة وخاصة الصدقة:
فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار لما اهتزت الأرض: أما بعد، فان هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد وقد كتبت إلى سائر الأمصار يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا؛ فمن كان عنده شيء فليتصدق به فإن الله عز وجل قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}، وقولوا كما قال آدم {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وقولوا كما قال نوح {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}، وقولوا كما قال يونس { أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}…
6- وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
وكذلك سائر الآيات كالصواعق والريح الشديدة. وقد كان المسلمون يفزعون إلى الصلاة عندما تحدث فيهم الزلازل. لهذا يندب صلاة ركعتي عند الفزع من الزلزال أو الصواعق أو الريح الشديدين أو الظلمة أو الوباء لأنها آيات من آيات الله تعالى يخوف بها الله عباده ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى طاعته فينبغي عند وقوعها الرجوع إليه تعالى بالعبادة، وصلاتها كالنوافل العادية بلا جماعة ولا خطبة ولا يسن فعلها في المسجد بل الأفضل أن تؤدى بالمنازل.
7- وقد دلت الأحاديث على أن صاحب الهدم من أهل الشهادة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله وذكر منهم الذي يموت تحت الهدم شهيدا. (رواه أبو داوود والنسائي بسند صحيح).
8- ويجب الخروج من أرض الزلزال، ولا يصح الاستدلال بالبقاء فيها قياساً على الأمر بالبقاء في أرض الوباء. فلا حرج من الانتقال عن مكان الخطر بل ينبغي على سبيل الاحتياط لسلامة الأرواح، ويتفاوت الأمر بين الجواز والوجوب بحسب نسبة الخطر. ومن منع الخروج قياسا على الفرار من الوباء فقد أخطأ.
قال ابن رجب: “إن الفرار من الطاعون لا يتيقن به النجاة، بل الغالب فيه عدم النجاة، وأما الخروج من المساكن التي يخشى وقوعها بالرجفة فيغلب على الظن من السلامة، فهو كالهروب من النار والسيل ونحوهما” (فتح الباري لابن رجب 6/331).
إن اهتزاز الأرض من تحت الأقدام لمدة طويلة، لهي رسالة واضحة إلى أهل الذنوب والمعاصي، إلى مروجي الربا والخمور والمخدرات وأصحاب المهرجانات والغناء والفجور، وهي برقية عاجلة إلى فكر الإلحاد والعلمنة الذي انتشر بالمنطقة، يعصون الله ويسترهم، ويسبونه ويمهلهم، فكفى بالزلزال واعظا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *