في معركة اليرموك خرج من بين صفوف الروم جَرَجَة ـواسمه جورج بن تيودور، وكان يجيد اللغة العربيةـ حتى كان بين الصفين ونادى: ليخرج إليّ خالد، فخرج إليه خالد بن الوليد دون تردد، وأقام أبا عبيدة مكانه، فوافقه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما، وقد أمّن كل منهما صاحبه.
فقال جرجة: يا خالد اُصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسلّه على قوم إلا هزمتهم؟
خالد: لا.
جرجة: فيم سميت سيف الله المسلول؟
خالد: إن الله عز وجل بعث فينا نبيه صلى الله عليه وسلم، فدعانا فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعاً، ثم إن بعضنا صدّقه وتابعه وبعضنا باعده وكذّبه، فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به فتابعناه، فقال: أنت سيف من سيوف الله سلّه الله على المشركين، ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك، فأنا من أشد المسلمين على المشركين.
جرجة: صَدَقتني.
ثم أعاد عليه جرجة: يا خالد.. أخبرني إلام تدعوني؟
خالد: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله.
جرجة: فمن لم يجبكم؟
خالد: فالجزية، ونمنعهم.
جرجة: فإن لم يعطها؟
خالد: نؤذنه بحرب ثم نقاتله.
جرجة: فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا؟
خالد: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا، شريفنا ووضيعنا، وأولنا وآخرنا.
جرجة: هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل ما لكم من الأجر والذخر؟
خالد: نعم وأفضل..
جرجة: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟
خالد: إنا دخلنا في هذا الأمر وبايعنا نبينا صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب ويرينا الآيات ـالمعجزات ـ، وحقّ لمن رأى مثل ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا.
جرجة: بالله، لقد صَدَقتني ولم تخادعني ولم تألفني؟
خالد: بالله، لقد صدقتك، وما بي إليك ولا إلى أحد منكم حاجة، وإن الله لوليّ ما سألت عنه.
جرجة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني، علمني الإسلام!
فمال به خالد إلى فسطاطه، وسكب على جسمه الماء من كل جهة لكي يتطهر قبل صلاته، ثم صلى ركعتين بعد أن علمه خالد الصلاة، ثم إنه دخل إلى جانب المسلمين المعركة.. وقاتل حتى استشهد رحمه الله تعالى..
طرد اليهود من الأندلس على يد الصليبيين
عاش اليهود في كنف دولة الإسلام في الأندلس، بكل خير ورفاهية ورغد عيش، فلا أحد يفكر أن يظلمهم أو يصادر حقوقهم، بل وقع الإفراط في محاباتهم وغض الطرف عنهم حتى انتظم كثير منهم في سلك الوظائف العامة، فولي بعضهم مناصب خطيرة مثل الوزارة والحجابة، وزاد ثراء هذه الطبقة، وعاشوا على أفضل ما يكون في ظل عدالة الشريعة الإسلامية، وسماحة المسلمين المعهودة مع الذين لم يقاتلهم في الدين.
ولما سقطت دولة الإسلام في الأندلس في 21 محرم سنة 897هـ/1492م، وجاء الحكم الصليبي الإسباني للبلاد، كان أول قرار تم اتخاذه هو إنشاء ديوان التحقيق أو التفتيش الإسباني، وكان الهدف منه مطاردة الكفار بزعمهم وحماية المذهب الكاثوليكي من الشبهات والضلالات، وكان اليهود هم أول ضحايا سياسة العنصرية والمحو التي رسمتها إسبانيا الصليبية، وكان القرار الذي أصدره الملكان “فريناندو” و”إيزابيلا” في 22 جمادى الأولى897هـ/30 مارس 1492م، والقاضي بأن يغادر سائر اليهود الذين لم يتنصروا من أي سن وظرف إسبانيا في غضون أربعة أشهر من تاريخ القرار، ولا يعودوا إليها أبدًا، ويعاقب المخالفون بالموت والمصادرة، فتنصر كثير منهم حفاظًا على أرواحهم وأموالهم وهام الباقون على وجوههم في الأرض، بين الحرمان والتجريد والتشريد.
الجدير بالذكر أن الدولة العثمانية قد وافقت على إيواء هؤلاء اليهود المطرودين في ولاياتها وذلك أيام السلطان سليمان القانوني، وكان ردّهم على هذا المعروف العظيم، التآمر على إسقاط هذه الدولة وذلك عبر تنظيم يهود الدونمة الشهير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راجع: نفح الطيب، البيان المعرب، دولة الإسلام في الأندلس، تاريخ الدولة العثمانية.
معاهدة أوشي
22 شوال 1330هـ ـ 3 أكتوبر 1912م
كانت ليبيا جزءًا من الدولة العثمانية وولاية من ولاياتها منذ سنة 958هـ/1551م، فلما ضعفت الدولة العثمانية وأخذت الدول الأوروبية في اقتسام أملاكها، كانت ليبيا من نصيب إيطاليا وبعد تواطؤ الدول الأوروبية على ذلك، وفي شوال 1329هـ/1911م احتلت إيطاليا بلاد ليبيا، فأرسلت الدولة العثمانية جيشا لمساعدة السكان على مقاومة الاحتلال وأرسلت بعض الضباط للإشراف على القتال ضد الإيطاليين كان منهم: أنور باشا وعزيز المصري ومصطفى كمال “للشهرة فقط”، غير أن المقاومة الحقيقية كانت من جانب المتطوعين.
حدثت تطورات كبيرة في أروقة الحكم داخل الدولة العثمانية وأصبح رجال الاتحاد والترقي هم المسيطرون على مقاليد الأمور، وكانت جمعية الاتحاد والترقي تتخذ من القومية الطوارنية “التركية” فكرة لها، ومن هذا المنطلق عندما وسعت إيطاليا نطاق الحرب ضد الدولة العثمانية، رأى رجال الاتحاد والترقي أن ليبيا يسهل التخلي عنها، فاستدعوا قادتهم وجنودهم منها، وعقدوا معاهدة تفاهم مع الإيطاليين، عرفت باسم معاهدة “أوشي” بسويسرا في 22 شوال 1330هـ/3 أكتوبر 1912م، بموجبها انسحبت الدولة العثمانية أو بالأحرى تركيا من ليبيا، وتركت أهلها وحدهم وجها لوجه أمام الإيطاليين، وعندما علم أحمد شريف زعيم الحركة السنوسية خبر المعاهدة اعترض بشدة وقال: “إن كان ثمن الصلح تسليم البلاد للعدو فلا نقبل ذلك أبدًا”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راجع: التاريخ الإسلامي ج14، استقلال ليبيا، تاريخ الدولة العثمانية.
معركة أنوال
25 شوال 1339هـ ـ 1 يوليو 1921م
وقعت بلاد المغرب فريسة للاستعمار الإسباني والفرنسي المشترك، حيث احتل الإسبان شمال المغرب واحتل الفرنسيون جنوب المغرب، وكان الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي أول من قاد المقاومة المغربية ضد الاحتلال الإسباني، وقد تزعم قبيلة “ورياغل” واتخذ من بلدة “أغدير” عاصمة له، وقد حاول الإسبان أول الأمر استعراض قوتهم، فقام الجنرال “سلفستر” قائد قطاع مليلة بحشد قوة عسكرية كبيرة، واتجه بها نحو منازل قبيلة “ورياغل” واحتل مدينة “أنوال” فأرسل إليه الأمير محمد يحذره من التقدم أكثر من ذلك، فلم يبال الجنرال بهذه التحذيرات واحتقرها ثم واصل تقدمه مسافة اثني عشر كيلو مترًا بعد مدينة “أنوال”.
اقترب الأسبان من بلدة “أغدير” فقام الأمير محمد بهجوم معاكس داهم به الإسبان في 25 شوال 1339هـ/1 يوليو 1921م دحر فيه القوات الإسبانية وردهم على أعقابهم حتى أخرجهم من مدينة “أنوال” التي احتلوها من قبل، وأبيد الجيش الإسباني عن بكرة أبيه، واعترفوا بمقتل خمسة عشر ألف جندي وخمسمائة وسبعين أسيرًا، وكميات كبيرة من العتاد الحربي منها: 30 ألف بندقية، 400 مدفع رشاش، 129 مدفع ميدان، ولم ينتبه الأمير محمد إلى ما أدركه من نصر كبير وحاسم، إذ لو تابع القتال لما وجد أمامه قوة ولدخل حصن «مليلة» دون مقاومة، ولأنهى وضع الإسبان في تلك النواحي بالكلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راجع: التاريخ الإسلامي، المختار المصون، المعجزة المغربية.