في ظلال آية أبو يونس محمد الفرعيني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة:3).
هذه أكبر نعم الله عز وجل على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه؛ قال السعدي في تفسيره (1/219): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بتمام النصر، وتكميل الشرائع الظاهرة والباطنة، الأصول والفروع، ولهذا كان الكتاب والسنة كافيين كل الكفاية، في أحكام الدين أصوله وفروعه.
فكل متكلف يزعم أنه لا بد للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم إلى علوم غير علم الكتاب والسنة، من علم الكلام وغيره؛ فهو جاهل، مبطل في دعواه، قد زعم أن الدين لا يكمل إلا بما قاله ودعا إليه، وهذا من أعظم الظلم والتجهيل لله ولرسوله. اهـ
وقد فهم العلماء من ذلك أن الدين كامل لا يحتاج إلى زيادة، قال مالك: من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة».
قال ابن عمر: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة. (الإبانة).
وفي سنن الدارمي (1/233): أن عبد الله بن مسعود عاب على أصحاب الحلق في مسجد الكوفة لما خالفوا في صفة الذكر وتحلقوا واجتمعوا على ذلك، وقال لهم: ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة.
وعن نافع أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله. قال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حال. رواه الترمذي.
فانظر إلى يقظة الصحابة وعميق فهمهم كيف لم يسكتوا عن أمر فاضل في الأصل جعل في غير محله، ومثله زيادة السيادة في الأذان والتشهد، والتصديق عند ختم التلاوة، ونحوها من البدع.
وعن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلا يصلى بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود فنهاه. فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة. رواه الدارمي وغيره.
وهذا يصلح جوابا مفحما لكل مجتهد في الخير على غير الهدي، فكم من مريد للخير لا يدركه.
وعن مالك بن أنس، وأتاه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل. قال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل، فإني أخشى عليك الفتنة. قال: وأي فتنة في هذا؟ إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النـور:63). اهـ رواه ابن العربي في أحكام القرآن.
وللحديث بقية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *