سلسلة: الاستشراق والاستغراب وجهان لعملة واحدة الحلقة الثالثة: المستشرقون.. وموقفهم من الصحابة صناع الحضارة الإسلامية ذ. طارق الحمودي

قال إمامنا مالك: (لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف)

 

أبرز من عرف بهذه المحاولات المكشوفة: مونتغومري وات ودوزي وفلهوزن وبيلييف (beliaev) في تاريخ الدولة العربية، وجوستاف لوبون في تاريخ الخلفاء، ومويير في (الخلافة)، وكتاب دائرة المعارف الإسلامية عند تراجم الخلفاء، وجولد تسيهر، وريكندوف، ولويس بيير سيديي، وهنري لامنس، وبروكلمان.
كنت أود لو كان مقال هذا العدد في موقف المستشرقين من نبينا صلى الله عليه وسلم وسنته احتراما للتسلسل الموضوعي في هذا النوع من السلاسل لكن الله تعالى شاء أن يجدَّ طارئ جعلني أقدم هذا المقال على غيره فالله المستعان.
إن الذي يتابع استراتيجية المستشرقين في طعنهم في الإسلام بكل مكوناته والمطلع على تكتيكاتهم كما يقال سيعلم أنهم ما تركوا أسا من أسس الحضارة الإسلامية إلا انتهكوا حرمته، وكان من ذلك أن صوبوا سهام تدليسهم وتزويرهم ومكرهم الأدبي إلى عمق الحضارة الإسلامية وما يحوم حولها!
طعنوا فيها لإضعاف ثقة المسلمين بها وتشويه سمعة رموزها بإشاعة الأخبار المكذوبة أو تحريفها في حق الصحابة والتابعين والعلماء والصلحاء والأمراء الفضلاء مثل الخلفاء الراشدين وملوك المسلمين كهارون الرشيد وغيره، والتأليف في الفرق والمذاهب الإسلامية كالخوارج والشيعة والصوفية الوحدوية وإدخال ما ليس من الإسلام فيه تدليسا وتزويرا، خصوصا اليهود الذين حاولوا في مناسبات كثيرة أن يوهموا الناس كون الإسلام متفرعا عن اليهودية والتشكيك في نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأن الإسلام لا يصلح لمواكبة التغييرات الحاصلة للمجتمعات الإنسانية في فكرها وهمومها ومشاغلها مع تقدم الزمن.

وكان طعنهم في تاريخنا مرة بإثبات ما لا يثبت مما يشين بهيبة التاريخ الإسلامي؛ ومرة بتفسير ما ثبت بتفسيرات وتحليلات بعيدة عن الإنصاف والدقة والموضوعية؛ بعيدا عن التعصب والعنصرية والأحكام المسبقة النابعة عن خلفيات فاسدة وتصورات مغلوطة عما يبحثون فيه.
وحاول كثير منهم أن يفسروه تفسيرات مادية شيوعية كما فعل بندلي جوزي في كتاب (من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام) وبرنارد لويس وكايتاني.
وزعم بعضهم أن الفكر الإسلامي هو الفلسفة اليونانية مكتوبة بالعربية فجردوها عن الإبداع والتجديد، ومنهم رينان في تاريخ اللغات السامية وزعم أن الإسلام لا يشجع على العلم والفكر والبحث الحر، ووافقه جوتيه!
بل زعموا أن الحضارة العربية مأخوذة من الحضارة الرومانية!! في محاولات مضحكة للتقليل من شأن الإبداع الإسلامي في آليات الحضارة ومقوماتها وعجلات حركتها التاريخية ومواد بناء هياكلها الأخلاقية والثقافية والعلمية.
قال الدكتور السباعي رحمه الله وهو يعدد أهداف المستشرقين: (التشكيك في قدرة اللغة العربية على مسايرة التطور العلمي لنظل عالة على مصطلحاتهم التي تشعرنا بفضلهم وسلطانهم الأدبي علينا..).
ومن أقبح ذلك محاولات التشويه لأعظم الشخصيات الإسلامية وأحبها إلى قلوب المسلمين وهم الخلفاء الأربعة.
وقد حاول المستشرقون الذي كتبوا في تاريخ الإسلام وحضارته أن ينالوا من هيبة أولئك الجبال في نفوس من يقصدونهم بكتاباتهم المسمومة.
وقد كانت محاولاتهم متنوعة بتنوع مدارس النقد التاريخي الغربي الأربعة المعروفة: 1- النقد العقلي 2- والمادي الماركسي 3- والانتقائي في المصادر والروايات والأراء 4- والاجتماعي التطوري
ومن أبرز من عرف بهذه المحاولات المكشوفة -بحمد الله تعالى- مونتغومري وات ودوزي وفلهوزن وبيلييف (beliaev) في تاريخ الدولة العربية، وجوستاف لوبون في تاريخ الخلفاء، ومويير في (الخلافة)، وكتاب دائرة المعارف الإسلامية عند تراجم الخلفاء، وجولد تسيهر، وريكندوف، ولويس بيير سيديي، وهنري لامنس، وبروكلمان.
وكان القدر المشترك بين الجميع قصد إسقاط هيبة الخلفاء والصحابة وتفسير الحوادث بفسيرات سياسية ونفسية، ورمي الخلفاء بكل منقصة اجتماعية، وتصوير الوقائع على خلاف حقيقتها، وأن ما كان يحرك الخلفاء غالبه حظوظ نفس دنيوية على حساب مصالح الناس، فضلا عن تجرئ بعضهم على رميهم بطرق غير مباشرة بالسذاجة وعدم الأهلية، وإثارة جزئيات على أنها من أعظم الأحداث في تاريخ الخلافة وإخراجها من سياقاتها التاريخية.
وحينما اخترت الكتابة في هذه السلسلة اخترتها على أساس قناعة نبتت في قلبي قديما حين بدا لي أن أقارن بين الاستشراق والاستغراب. وجاء هذا العفن في جريدة الأيام ليؤكد لي ذلك، وقد كنت سألت شيخنا محمد بوخبزة عن فائدة دراسة الاستشراق لمواجهة موجة الاستغراب في بلادنا فأكد لي ما كنت أتوقعه منه وأن ذلك من أفضل العون على معرفة مصادر هؤلاء الدجالين ومعرفة وسائل مواجهتهم فكان ما ترى.
ومن أراد مزيد توسع في معرفة موقف المستشرقين من الصحابة والخلفاء فلينظر كتاب: (موقف المستشرقين من الصحابة رضي الله عنهم للدكتور سعد بن عبد الله الماجد).
وأثناء وضع اللمسات الأخيرة في صياغة هذا الحلقة من سلسلة المقالات وصلني خبر محاولة خسيسة من أحد الكتاب المرضى في جريدة الأيام في شكل مقال زعم صاحبه أنه يحاول فيه كشف الجانب الخفي الذي لا يعرفه الناس.
فرمى الخلفاء الأربعة بعناوين فرعية مثيرة للاشمئزاز. مستفزة لمشاعر المحبة.
ولن يحصد هؤلاء إلا شتما ولعنا ودعاء عليهم بالإهلاك من عوام الناس قبل علمائهم ومثقفيهم، فهؤلاء لم يفهموا بعد أن أرض المغرب لا تقبل هذه النباتات الضارة لزرع التنمية الحضارية والثقافية، فإن نبت فيها حق لنا أن نزرع في مكان آخر وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عن السفلة من الناس فقال: (الذي يسب الصحابة) (تفسير القرطبي 9/24)، وقد نقل القرطبي في التفسير (5/350) أيضا عن ابن القاسم أنه قال: سمعت مالكا يقول: (لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف) ورواه عنه ابن عبد البر بإسناده إليه في الانتقاء ص:72 بلفظ: (لا ينبغي الإقامة بأرض يكون العمل فيها بغير الحق، والسب للسلف) وانظر ما أورده القاضي عياض في الشفا.
وقد روى الطبراني رقم (2217) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح عن مغيرة قال: «خرج من الكوفة جرير وعدي بن حاتم وحنظلة الكاتب إلى قرقيسيا وقالوا: (لا نقيم في بلدة يشتم فيها عثمان رضي الله عنه).
وأزعم أن الفكر العلماني المنحرف في بلادنا والذي يتميز بقلة الأدب وانعدام الأخلاق وسلبية المواقف مال إلى الطعن في الصحابة تمهيدا للطعن في الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم صراحة؛ أو بالتنبيه والإشارة والإيماء. وهذا أمر عليه أدلة تاريخية بشهادات راقية على ألسنة خبراء في معالجة سم هؤلاء الحيات.
ففي الصواعق المرسلة (4/1405) لابن القيم رحمه الله عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه قال: (هؤلاء قوم أرادوا الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك، فطعنوا في الصحابة ليقول القائل: رجل سوء، كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين).
ومنها أيضا ما ذكره المزي رحمه الله في تهذيب الكمال (1/339) عن الإمام النسائي صاحب السنن أنه قال:
(إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار).
وأزعم أن جريدة السبيل ستقوم بما يمليه عليها انتماؤها النبيل إلى بلد مسلم سني اسمه (المغرب).
ويعجبني بالمناسبة أن أضع هذا النقل أصلا لهذه الحملة المباركة ضد حملة جريدة الأيام وأخواتها وهو ما حكاه المقري في نفح الطيب نفح الطيب (5/256) عن ابن قطرال الأندلسي قال: “كنت بالمدينة على ساكنها الصلاة والسلام إذ أقبل رافضي بفحمة في يده، فكتب بها على جدار هناك:
من كان يعلم أن الله خالقه —— فلا يحب أبا بكر ولا عمرا
وانصرف، فأُلْقِيَ علي من الفطنة وحسن البديهة ما لم أعهد مثله من نفسي قبلُ، فجعلت مكان (يحب) (يسب) ورجعت إلى مجلسي، فجاء فوجده كما أصلحْـتُه، فجعل يلتفت يمينا وشمالا، كأنه يطلب من صنع ذلك”.
فأرجو الانتباه لمصادر الحملة الاستغرابية التخريبية ووسائلها..وعلاقتها بالاستشراق العالمي والله المستعان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *