العلمانيون وإثارة مأساة التهجير والإبعاد..

قرر العلمانيون القائمون على حزب الاتحاد والترقي أن الحل الأمثل لقضية الأرمن يقتضي تهجيرهم من مناطق تركزهم في منطقة شرق الأناضول إلى أطراف الدولة في مناطق متباعدة؛ لتقليل احتمال فصل الأناضول عما تبقى للدولة العثمانية من أراض وسيادة.

واتخذ قرار التهجير بسرعة وصاحبته فوضى في التنفيذ، ونتج عن ذلك وفاة أعداد كبيرة من المهاجرين الأرمن إما بسبب قطاع الطرق، أو سوء الأحوال المتعلق بالطقس والجوع والعطش، والمزاج العدائي المتبادل في ذلك الوقت بين جنود الدولة وبين الأرمن، وهو ما تسبب أحياناً أيضاً في تجاوزات فردية تسببت في مقتل العديد من الأبرياء.

واللافت للنظر تاريخياً أن مقتل الأبرياء من الأرمن تزايد بشكل واضح في المناطق التي كانت الدولة العثمانية ضعيفة فيها، بينما لم يتعرض الأرمن إلى كوارث شبيهة في المناطق التي تركزت فيها قوى الدولة كما هي الحال مثلاً في منطقة إسطنبول في تلك الفترة.

كما أن التهجير لم يكن ضد الأرمن فقط، فقد تم تهجير الكثير من المسلمين الأكراد مثلاً، ويروي حول مآسي ذلك الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله واصفاً عملية تهجير المسلمين: «كانت الثلوج قد تراكمت بارتفاع ثلاثة وأربعة أمتار، وبدأ الأهالي بالاستعداد لترك المدينة والهجرة منها بأمر الحكومة. والعوائل التي كانت تملك ستة أو سبعة من الأطفال كانوا لا يستطيعون سوى أخذ طفل أو طفلين فقط، ويضطرون إلى ترك الأطفال الباقين على الطرق الرئيسة وتحت أقواس الجسور مع قليل من الطعام.. وبين دموع الأطفال وصراخهم وبكاء الأمهات يتم مشهد فراق يفتت أقسى القلوب».

واتخذ قرار التهجير في 27 مايو 1915م، وتسبب التهجير الذي اتجه ناحية جنوب الأناضول وسورية ولبنان والعراق -وهي كلها كانت ضمن أراضي الدولة العثمانية- في الكثير من المآسي والأحداث الفظيعة لمن كتب عليهم ذلك، وماتت أعداد كبيرة منهم في الطريق، وظل عدد كبير آخر منهم، وانتهى بهم المطاف في أماكن بعيدة عن العمران أو دول أخرى، ومن ثم لم يتم حصر وصولهم، واعتبروا في عداد الأموات أيضاً، وهو ما رفع من أرقام ضحايا التهجير بشكل مباشر أيضاً. وقرار التهجير داخل أراضي الدولة نفسها كان يستهدف منع الأرمن من إقامة دولة داخل الدولة؛ كما تؤكد المصادر التركية في معرض دفاعها عن تهمة الإبادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *