الاعتصام بالكتاب والسنة أصل متفق عليه بين علماء السلف والخلف

من المعلوم من الدين بالضرورة؛ ومن مقتضيات شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛ أنه يجب ويتعين على كل مكلف أن يحرص كل الحرص على الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يجعل ذلك ميزاناً يزن به ما اختلف فيه الناس بعد القرون الفاضلة من المعتقدات والأقوال والأفعال وغيرها.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
فهذا هو الميزان الذي كان يزن به علماء الأمة؛ من أمثال مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم؛ في الحكم على الأعمال والمواقف والأقوال. وهو أصل عظيم يجب ربط الناس به؛ امتثالا لأمر ربنا أولا واقتداء بسلفنا الصالح ثانيا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وشواهد هذا الأصل العظيم الجامع من الكتاب والسنة كثيرة، وترجم عليه أهل العلم في الكتب كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، كما ترجم عليه البخاري والبغوي وغيرهما، فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء الله المتقين، وحزبه المفلحين، وجنده الغالبين).
وقد كان هذا الأصل من الأصول التي اتفق عليها سلف هذه الأمة، فكان ذلك من أعظم نعم الله عليهم، يقول شيخ الإسلام:
(وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم اعتصامهم بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن، لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البيانات أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم).
قال الإمام مالك: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه). (الجامع لابن عبد البر في 2/32).
وقال رحمه الله تعالى: (لا يصلُح آخرُ هذه الأمة إلا بما صلح بها أولُها)، فإذا كان أولها صلَح بالكتاب والسنة فلن يصلُح آخرُها إلا بالكتاب والسنة.
وقال: (مثل السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقا على هذا الكلام: (وهذا حق، فإن سفينة نوح إنما ركبها من صدق المرسلين واتبعهم، وأن من لم يركبها فقد كذب المرسلين، واتباع السنة هو اتباع الرسالة التي جاءت من عند الله، فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح السفينة باطناً وظاهراً، والمتخلف عن اتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن اتباع نوح عليه السلام وركوب السفينة معه).
وقال أبو حنيفة: (إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي) . (الفلاني في الإيقاظ ص 50 ).
وقال الزهري رحمه الله: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة.
وقال أيضا: من الله الرسالة ومن الرسول البلاغ وعلينا التسليم.
ولله در القائل:
كُن في أمورك كلِّها مُتمسِّكًا بالوحي لا بزخارِفِ الهَذَيَانِ
واتبَعْ كتابَ الله والسننَ التي جاءت عن المبعوثِ بالفُرقانِ
فحري بالدعاة والمصلحين أن يربوا الناس على هذا الأصل العظيم؛ فهو مفتاح باب الإصلاح والبلسم الشافي والدواء الكافي لكل أمراض العصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *