ليس سرا مدى الوفاق والانسجام الاستراتيجيين بين جمهورية الثورة الخمينية والولايات المتحدة الأمريكية، فتحالف البلدين لم يبدأ مع العدوان الأمريكي على كل من أفغانستان والعراق كما يبدو من ضجيج الإعلام المدلس في معظمه، بل كان تحالفا قويا -ولا يزال- منذ الثورة على الشاه سنة 1979، لكن السر الذي مازال محاطا بالغموض هو المستوى الذي وصله الملالي حتى الآن في تنفيذ مراحل خطتهم الخمسينية لاحتلال العالم العربي ونشر عقيدتهم الظلامية.
الخطة الخمسينية هي خطة سرية أعدها مجلس شورى الثورة الإيرانية أواخر الثمانينات (1987)، ووجّهها إلى المحافظين في الولايات الإيرانية، وتعتبر الخطة، التي وضع أسسها دهاقنة الدولة الصفوية في نسختها الاثني عشرية، مشروعا متكاملا لتصدير الثورة الخمينية إلى الدول العربية في غضون خمسين سنة، مقسمة إلى خمس مراحل، ولكل مرحلة (عشر سنوات) مبادئ وخطط واستراتيجيات ينبغي تنفيذها للانتقال إلى المرحلة التالية، مع إمكانية تقليص المدة بحسب واقع وظروف القطر المستهدف.
وقد استطاعت رابطة أهل السنة في إيران (فرع لندن) الحصول على هذه الوثيقة الهامة (الخطة الخمسينية)، وترجمها الدكتور عبد الرحيم البلوشي إلى اللغة العربية؛ وهذه الخطة موجهة إلى المناطق السنية في إيران، وإلى دول الجوار، وبشكل خاص: العراق، ودول الخليج العربي، إضافة إلى أفغانستان وباكستان وتركيا؛ وتهدف الخطة إلى السيطرة على المنطقة واحتلالها وتشييعها، تمهيدا لخروج المهدي الذي اختفى في سرداب بمدينة سامراء العراقية منذ اثني عشر قرنا، بحسب معتقدات شيعة آل كسرى.
وقد تم التركيز في البداية على الدول التي تشهد صحوة سنية قوية على المستوى الشعبي مع ضعف على المستوى الرسمي في هياكل الدولة ومؤسساتها، حيث بدأ التنزيل الميداني لبرنامج الخطة في دول أفغانستان وباكستان وتركيا والعراق والبحرين، ولنأخذ الأخيرة مثالا بارزا قطعت فيه الدولة الصفوية شوطا مهما في تحقيق أهداف مخططها، فبعد إحساس ملالي طهران بتنامي المد الرافضي بين صفوف أبناء البحرين، تم تقليص الوقت المفترض لإتمام الخطة بتخطي مرحلتين، أي أن السنة المتوقعة لثورة شيعة البحرين تحولت إلى عام 2017، ولكن تم تقديمها لظن الشيعة بأن البحرين جاهزة للانقضاض عليها، ولعامل الثورات العربية التي هيأت لهم الأوضاع بركوب موجتها لإضفاء الشرعية على حراكهم التخريبي، مما استدعى تقديم قيام ثورتهم 6 أعوام.
ويجدر الذكر بأن ما حصل ببعض الأمصار العربية من ثورات شعبية عارمة زعزعت عروش أنظمة مستبدة متجبرة، وأزاحت بعضها، وأعطت إشارات قوية لكل حلفاء الغرب في المنطقة، كل ذلك كان له بالغ الأثر في كبح وإفشال قسط كبير من المؤامرة/الخطة الخمسينية، ومن ذلك الثورة السورية العظيمة التي صمدت حتى الآن في وجه تحالف مكون من حرس إيران الثوري، وفرق الموت الشيعية العراقية، ومليشيات الحوثي، وحزب اللات، فضلا عن جحافل الشبيحة السوريين المدججين بأعتى الأسلحة الروسية، ولا ننسى بعد كل هذا الصمت الغربي الذي بات من الواضح أنه متعمد لإجهاض انتفاضة سُنّية في وجه نظام عميل للصفويين والصهاينة على السواء، أما الأنظمة العربية فتكتفي كالعادة بالمشاهدة، مع الشجب والاستنكار بالطبع.
لكن نظرة شاملة على واقع منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربي تنبئ بأن المنطقة على صفيح يزداد سخونة بشكل متسارع، وأن الأمة مقبلة على أمور عظام قد تقلب موازين القوى رأسا على عقب، فطهران أعلنت في أكثر من مناسبة أنها لن تتخلى عن نظام بشار، وأنها مستعدة للذهاب إلى أبعد الحدود للحفاظ على موطئ قدمها في عمق الشام التي تعد امتدادا للعراق، ليس لتبقى قريبة مهددة للكيان الصهيوني، فتلك نكتة سمجة يلفظها التواطؤ بين القوتين، ولكن لعلمها بمحورية دور الشام وأهميتها في حفظ توازن وتماسك المجتمعات السنية، ولِما لها من عمق استراتيجي وبعد حضاري وإرث تاريخي يؤهلها لقيادة الأمة الإسلامية من جديد.
إنه لَمِن المخزي والمشين أن تقف أمتنا ذات الرسالة الخالدة والتاريخ المجيد متفرجة، مسلوبة الإرادة، مغيبة الوعي، بينما يسابق أحفاد المجوس الزمن لصناعة مجد وحضارة على أنقاض رفات إمبراطورتيهم الفارسية الهالكة على يد عمر وسعد وخالد.
عار وأي عار أن تُضَيع بعض دولنا الجهود والطاقات والموارد والثروات في خطة للنهوض بقطاع الدواجن، وأخرى تدشن مشروعا قوميا لتربية الحلزون، في الوقت الذي يحشد فيه عمائم الدجل والخرافة كل إمكانياتهم لبناء دولة متينة واقتصاد متماسك وجيش قوي، هذا الأخير الذي هدفه الأول هو نحن أهل السنة، وها قد وجه فوهات مدافعه ورشاشات طائراته لنساء وأطفال سورية، ليبيدهم ويشيد على جماجمهم حوزات ومزارات يحج إليها من يتخذون من علي والحسين وفاطمة أربابا من دون الله!
فهل نعي المؤامرة وننصر الشام وأهلها..؟