عندما ينتصر ذو الشيبة للدياثة على حساب المروءة عبد المغيث موحد

لا نزال بفضل الله ومنّه متابعين لهذه الضجة التي افتعلها أولئك الذين يتنفسون برئة الحرية الحداثية غبار المنكر ونقع الفحشاء؛ أولئك الذين يريدون أن نميل ميلا عظيما فيسلقوننا بألسنة الزور، وربما توهم متوهم في هذه المتابعة نوعا من المغالاة واستعظام أمر الفأرة واستئساد ذئاب الوادي؛ ولكننا وكالكثير من الغيورين على حمى الأرض والعرض في دائرة دين الحياء نخشى أن تمد هذه الضجة مدها وتبلغ أشدها؛ فيتأذى منها العوام وأهل الحياد الذين حسبوها غمامة صيف وخالوها نباتا لا جذور له؛ فإذا بالواقع يكذب الرؤية؛ وإذا بالجذور قد استغلظت والغمامة قد تغشت النفوس وربما احتلت منها هامش من شعور الركون إليها وإحساس المغلوبية الباعث على الاستسلام بانبطاح وخنوع لمؤثراتها الكاذبة الخاطئة.
ولا غرابة فإنما يقوى الباطل بالسكوت عنه وإنما تهيج بواعث التمادي والجرأة مع هجر أهل الحق ثخوم المرابطة، ولا يغرنك أن العلمانية كفكر وحركة ذوات منتسبة؛ تقبل اليوم وقبله عبر فترات متقطعة مترهلة على مضض ومداهنة؛ بقايا نصوص مركوزة في قوانين الأحوال الشخصية، واستغلال فضاءات المكان والزمان لممارسة الشعيرة الدينية، فذلك إلى حين، فإذا ما هي تمكنت وإستمكنت فسوف تأبى علينا الركعة في البيت والتلاوة في قعر البيت والنصيحة في قعر قعر البيت.
فهي لا تزال تكره أهل الإسلام وتكيد لهم الكيد تلو الكيد حالا وتستشرف لهم الأقسى والأنكى مآلا، وهاهي بوادر هذا المآل قد لاحت في الأفق تبغي النيل من الثوابت والضرب في الأصول غير عابئة بالكل الوطني ما دام الدعم والسند والمؤازرة تترادف عليها من بلاد الغرب بجمعياتها ومؤسساتها ولوبياتها الفاعلة في هذا المجال.
وها نحن نرى في ضوء بوادر هذا المآل كيف أن المجادلة انقلبت إلى مجالدة، واللين صار مخاشنة، والمهادنة بلغت دوالب المقاضاة، وكيف أن نورنا الذي اقتبسناه من ديننا العظيم قد أحالوه إلى ظلمة وعتمة.
فصار التمعر لانتهاك حرمة من حرمات الله تطرف وبغي بغير حق، وصار الانتصار للأخلاق التي جبلنا الله على فطرتها وجاء الدين مجازيا على التحلي بها والتخلي من أضدادها؛ تلك الأضداد التي سمعنا ورأينا أن الأنعام تأنف منها؛ صار هذا الانتصار رجعية وتعدي على الحريات الفردية والقوانين الكونية التي يجب أن تتمتع بالسمو وحدها، فإليها يجب العود؛ وعلى عتباتها يكون الحسم؛ وفي مناخها لا يكون التحضر والرقي الحداثي إلا بانتشار العري والسفور وظهور المشايعة والإباحية والتجرد عن كل فضيلة تدعو إليها نحلة وتصبو إليها ملة.
وإننا في هذا المناخ وحينما نقول النحلة والملة فهي على الحصر والقصر ملة الإسلام ونحلة الحنيفية السمحة فلا أديان ثلاثة ولا ملل أربعة، فالناسخ الإسلام والمنسوخ ما دونه من طقوس تمارس في أديرة وهياكل وكنائس بمعتقدات محرفة بالية قد شيعها أصحابها إلى لحد الهاوية والنار الحامية يوم أن جاء الإسلام ابتداء، ويوم أن سمعنا أن داخل جدرانها قد تم عقد القران بين ذكر وذكران وبين أنثى وأنثيان، يوم اكتشف العالم أن تلك الرهبانية التي يعيشها القيمون على شؤونها على مرأى من المخدوعين ما هي إلا سراب لما جاءه الراغب وجد فيه ما وجد من لواطة وسحاق وإسفاف وتهتك وخديعة.
وكما أقسم بعض الحداثيين تمسكا بباطله ودفاعا عنه قائلا تالله وبالله ولله، فكذلك ومن باب أولى نقسم بالله وتالله ولله أن تلك المجالدة والمخاشنة والنبز والملاسنة لن تزيدنا إلا تشبثا وإصرارا على ما نعتقده حقا وندين الله تعالى به، ولا نملك الخيرة في الأخذ بأمره والعض على نهيه بنواجذ الإخلاص والمتابعة والذل والاستسلام بين يدي العظيم الذي أرسل لنا عظيما بدين عظيم.
وها نحن وكما الكثير آثرنا ألا نكون مع القعدة الخوالف نخوض معركة الفكر التي فرضتها علينا أحقاد الأنداد المتربصة من أهل الحداثة والعلمنة المارقة، نخوضها ونحن نعلم علم اليقين أن في إسلامنا العظيم خصائص ومميزات ذاتية تحميه وتحول بين صفاء ماءه ونقاوة معينه، ومشتهيات القوم وطبائع الرث المركوزة في نفوسهم الموبوءة، بل إن عقيدته ستظل بفضل الله هي خصيصته التي تقف اليوم والغد بعده أمام الجاهليات التي تروم التأله والتربب في مناكب الإسلام كما تريد بفوضى وعبثية قل نظيرها حتى في جاهلية الوأد والتصعلك القبلي البائد، يوم كان الضلال في تأليه الله والنفاق في تربيب الرب يخلفان وراءهما وثنية الكفران الشامل وجاهلية الصدود البعيد عن الحق المبين.
هذا وإن المرء يكاد يركن للجنون استغرابا: كيف ومن أين لبعض هؤلاء تلك الصفاقة بعد التلبس بالمنكر وتفعّل مثالبه أن يخرجوا على الناس تارة في ثوب شكوى المتظلمين، وأخرى في جلباب الواعظين الأبرار المرشدين إلى كل فلاح وصلاح، ولكنه الإلف والإصرار فمن يستسهل المجاهرة بفعل المنكر لن يعجزه التلفيق والتزوير ولا استحسان السوء والفحشاء في الأهل والعشيرة الأقربين بدءا وفي الآخرين عطفا ولزاما.
والأعجب من هذا كله أن يصطف الطابور الخامس من أهل الزيغ يسندون ظهر الدياثة بالألسن الأشحة الحداد والأقلام والقرطاس والريشة، كل يريد صنع الحدث وبناء بيت الضرار وإن أهون البيوت لبيت العنكبوت لو كان هؤلاء يعلمون.
وفي هذه اللجة النتنة وفي غمرتها قرأت لأحدهم في جريدة الأحداث واخترت أن أتناول محتوى دمدمته وهمهمته التي يسميها “ضربة مقص” لأمرين اثنين أولهما أن الرجل وقد اشتعل رأسه يققا، وغطت ناصيته وغزت دوائبه جحافل الشيب، فكان الحري به أن ينحاز إلى الحق، وأن يستحيي من الله ورسوله ثم من أولاده وبناته.
وثاني الأمور أنه اختار من أيام الله لحبر منكره ونشر عاره يوم الجمعة، وهو يوم له ثقله في وجدان الأمة وعمق انتسابها إلى النور العظيم، وهو كغيره يدرك ذلك من خلال ما يراه في الشارع الإسلامي من أفواج تضيق بها جنبات المساجد والأزقة والأروقة المجاورة من أولئك الذين لبوا نادي الله وسعوا إلى ذكره.
ولكن الرجل وهو يعلق على الرسم الكاريكاتوري المعبر على زعم هذا الذي يوشك أن يرد إلى أرذل العمر. رسم اصطف على صدر فضاءه ثلاثة عبادلة يجمعهم جامع الظلامية والرجعية والتطرف والأوصاف قائمتها طويلة لم تعد تخفى على أحد، ويقف بجانب هؤلاء الثلاثة الذين يقودهم عبد الله النهاري عبد الله الحقوقي الحداثي العلماني الديمقراطي المتنور المتحرر الديوث غضبانا حيرانا أسفا على الحريات الفردية حرية الخنا وحرية اللواط وحرية السفور وحرية السحاق وقائمة العفن الذي لا ترعى كلأه البهيمة وتأنف حطامه القرود.
آثر ذو الشيبة أن يتهكم على سورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين وعلى وعد الله من جنة وحور عين وكل ما تشتهي الأنفس من أكل وشرب وخمر وحرية جنسية لا حدود لها على حد تعبير هذا الذي نراه قد استبكر أرذل العمر قبل آوانه، ولندع القارئ الكريم أمام واحدة من خرجاته الحائفة وهو يصف عبقرية رسامه الصبان: “ومن هنا تنبثق عبقرية الفنان العربي الصبان الذي استدرجنا خطوة خطوة لفهم الخفي في السيرة السلفية بدءا بالمدية المتعطشة للذبح تليها العبوة المتأهبة للنسف ثم الحزام المحشو بالديناميت الذي يقيم للمنية عرسها ويزلزل الأرض تحت أقدام الناس الطيبين..”.
ولأن إسلامنا العظيم يأمرنا أن نرحم الصغير ونوقر الكبير فإننا ولما اجتمع فيكم صغر الصغير وكبر الذي رد إلى أرذل العمر لن نستفصل بإيغال مع ما كتبته أيديكم، فقد توعد الحق سبحانه وتعالى من هم على هذه الشاكلة بقوله سبحانه:{فويل لهم مما كتبته أيديهم وويل لهم مما يكسبون}.
ولأننا نعلم أن التكسب بالقلم قد حملكم أن تطرحوا ظهريا أثقال الإيمان ومكاره عرى الطهر والفضيلة فإننا نذكركم بقوله تعالى: {أفرايت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}.
بقي أن نحيطكم علما أنه وحينما سيأتيك ما كنت به توعد لن ينفعك عبد الله الحقوقي؛ بل ستجد وستعلم ولو بعد حين أن الذي سعى في الغسل والكفن والصلاة والدفن والتلاوة وإقامة سرادق التأبين عبادلة الليل الثلاثة؛ والله لا يضيع أجر المحسنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *