المصارف الإسلامية… ذلك الأمل المنشود! ذ. لحسن العسال

كانت أول محاولة للمصارف الإسلامية في عشرينيات القرن المنصرم على يد عبد الرحمن المهدي، ثم تلتها محاولة أخرى في أواخر أربعينيات، وبداية خمسينيات نفس القرن، في ماليزيا وباكستان، إلا أنها لم تعمر طويلا، وفي 1963م بدأت تجربة بنوك الادخار المصرية، وهي التي كانت نواة لقيام بنك ناصر الاجتماعي، إلا أن التجربة تعرضت لعقبات وعراقيل، أجهضت الفكرة في ميدان التطبيق العملي.
وتوالت التجارب، وأقيمت مؤتمرات علمية على المستويين الشعبي والحكومي، تمخض عنها إنشاء البنك الإسلامي للتنمية سنة 1974، الذي كان بمثابة البداية الفعلية لأول مصرف إسلامي حكومي، بل إن المصارف الإسلامية بدأت تفرض نفسها على الدول غير الإسلامية أيضا، مثل إنجلترا ولكسمبورغ وجزر الباهاما[1].
قال الدكتور محمد البلتاجي رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي: “إن عدد البنوك التي تعمل وفقا للشريعة الإسلامية في العالم يصل إلى 500 بنك يتجاوز حجم أصولها تريليون دولار ومتواجدة في نحو 60 دولة”.
وأضاف أن عدد البنوك التقليدية حول العالم التي تقدم أنشطة وخدمات مصرفية إسلامية يبلغ نحو 320 مصرفا، وتبلغ حجم تمويلاتها 200 مليار دولار وفقا للشريعة الإسلامية.
وأشار إلى أن التمويل الإسلامي يقدم للعملاء والشركات الراغبة في الحصول على تمويلات لمشروعاتها وسائل تمويلية متعددة، منها المضاربة الإسلامية أو التأجير أو المرابحة أو المشاركة.
إذا، لماذا -والحالة هذه- التضييق على المصارف الإسلامية في المغرب، خصوصا إبان حكومة التناوب؟
مع أن الربا محرم في كل الشرائع السماوية بما فيها النصرانية واليهودية، فضلا عن الإسلام، كما أكد على ذلك الأستاذ علاء الدين خروفة، في كتابه “الربا والفائدة في الشرائع الإسلامية واليهودية والمسيحية وعند الفلاسفة والاقتصاديين”، واستدل لذلك من الإنجيل والتوراة.
بل إن المثير والجديد في الأمر جدة تامة، على الأقل بالنسبة لي، هو أنه استشهد ببعض الفلاسفة الذين منعوا الربا، هم أيضا، أمثال “أرسطو” و”أفلاطون” و”سولون” و”سان توماد كان”. أما من عارض الربا من الاقتصاديين فقد أورد اسم الاقتصادي الشهير “اللورد كينز”، وأبي الاقتصاد “آدم سميث”.
وفضلا عما سلف ذكره، وكدليل على أن الربا ليس في صالح الأفراد فحسب، بل هو ضار حتى بالنسبة للاقتصاد العالمي، إلا أن الجشع الرأسمالي يحول دون تحريمه، مع أن العقل السليم والأخلاقي يدعو لذلك، هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي عمد إلى ضخ المال في شرايين الاقتصاد الأميركي، ولجأ إلى تخفيض أسعار الفائدة الرئيسية (أسعار الفائدة على الصناديق الفيدرالية) من 3.5% في غشت 2001 إلى 1% فقط بحلول منتصف العام 2003، واستمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في العمل بهذه الفائدة لمدة أطول مما ينبغي[2].
وفي نفس السياق أثبت الخبير الاقتصادي الأمريكي، الحائز على جائزة نوبل، “جوزيف ستيغليتز، بطريقة علمية، “أن الازدهار الاقتصادي لا يمكن أن يتأتى إلا بسعر فائدة تعادل الصفر”.
بيد أنه يبقى السؤال مطروحا، وبكيفية أكثر تحديدا، وهو: لماذا عارض فتح الله ولعلو إنشاء مصارف إسلامية؟
ولم يكلف نفسه، وهو وزير الخصخصة آنذاك، فتح نقاش علمي حول المسألة، لإقناع المؤيدين بفشل المشروع، عوض صم أذنيه عن كل مبادرة، بدليل قول الاقتصادي المغربي الدكتور عمر الكتاني: “منذ سنوات ونحن نتصل بالسلطات (ندوات، أيام دراسية..) بهدف التحسيس بضرورة تعديل القانون البنكي، واتصلنا بشكل مباشر بوزير المالية والخوصصة فتح الله ولعلو، وقلنا له نحن نقترح أن يكون هناك تعديل يسمح بإنشاء بنوك إسلامية”.
لكن،
لقد أسمعت لو ناديت حيا — ولكن لا حياة لمن تنادي
بل إن الحرب على كل ما هو إسلامي لا يقتصر على المضمون، بل يتعدى ذلك حتى إلى الشكل المتمثل في حرب المصطلحات، التي ستظل قائمة إلى ما شاء الله، وما دامت الفكرانية/الإيديولوجيا كذلك، بدليل أن معارضي المشروع الإسلامي رفضوا تسمية هذه المصارف بالإسلامية، بل تم الاتفاق على اسم البنوك التشاركية والمنتجات البديلة، مقابل تسمية البنوك الربوية بالتقليدية، حفاظا على مشاعر المرابين عالميين كانوا أو محليين، لأنه في كل معركة مصطلحات يجب أن نرضخ لها! لأن مقولة “لا مشاحة في الاصطلاح”، لا تستخرج من الربدة للاستشهاد بها، إلا حين إرادة فرض مصطلح دخيل.
ويؤكد ما ذهبنا إليه أستاذ العلوم الاقتصادية محمد بن حمريدة بالقول: “هناك رفض شبه رسمي لتسميتها بالمنتوجات الإسلامية، بل يطلق عليها في الغالب المنتوجات البديلة”[3].
والسؤال الذي كان على معارضي المصارف الإسلامية من بني علمان- يمينا كانوا أو يسارا- طرحه ماليا واقتصاديا، لولا أن الفكرانية تعمي وتصم، هو: أين تتقاطع البنوك الربوية مع المصارف الإسلامية؟
للاستفادة من هذه الأخيرة، ولأن العقلانية، بل وحتى النفعية تقتضي ذلك، فإن لم يكن هناك دين وازع، فلا أقل من أن يكون بديلا له، عقل دافع! خصوصا وأن مصادر إحصائية وبنكية توصلت إلى أن 30% من المغاربة لا يحبذون التعامل مع الأبناك الربوية!
لكن وعلى الرغم من الرغبة الشديدة لحكومة عبد الإله بن كيران في المضي قدما لإخراج المصارف الإسلامية إلى الوجود، إلا أن الخشية كل الخشية من أن تستفرغ هذه المصارف من إسلاميتها، ويبقى القانون المنظم لهذه المصارف -عند رؤيته النور- حبرا على ورق، فيما تبقى المصارف ليس لها من الإسلامية إلا الاسم.
ونفس التخوف عبر عنه الخبير الاقتصادي المغربي الدكتور عمر الكتاني، بالقول إنه يخشى هيمنة الدولة من خلال بنك المغرب على هذه المصارف، مما يفقدها استقلاليتها اللازم توفرها في كل مصرف إسلامي.
وتصبح إسلامية المصارف على وزن تحرير المشهد السمعي البصري! واللبيب بالإشارة يفهم!
بل إن الدكتور عمر الكتاني علل تخوفه بكون الدولة المغربية تنظر نظرة جزئية للمصارف الإسلامية، لأنها لا تهتم بها إلا لحاجتها مستقبلا إلى القروض، كما أشار إلى توجس الدولة من منافسة المصارف الإسلامية للبنوك الربوية القائمة حاليا، نظرا لمساهمة بعض الأثرياء والنافذين ورجال السلطة فيها، مضيفا إلى أن هناك “لوبيا” ماليا واقتصاديا غير مستعد أبدا لقبول أي إمكانية لإنشاء مصارف إسلامية في المغرب.
وتبقى الدولة العميقة، وأياديها الخفية والظاهرة، هي المتحكم الفعلي في دواليب الدولة، على الرغم من تغيير الدستور، ووصول حزب إسلامي إلى سدة الحكم جزئيا!
إذا، بعد كل هذا أتساءل مرة أخرى، بما أن معارضي المشروع الإسلامي، يرحبون بأي ريح تهب من الغرب، لماذا لا يقبلون ما ارتضاه الغرب مصلحيا، مما هو إسلامي؟
وأخص بالذكر ما أورده أحمد النجار، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي، من أنه كان لأوروبا تجربة في ألمانيا بطرحها صكوكا إسلامية لتمويل مشروعات بنية أساسية، ثم تبعتها إنجلترا وفرنسا، كما أعلنت كندا عن عزمها على طرحها”.
ولماذا عندما بدأ الحديث عن المصارف الإسلامية أصبحنا نسمع رفض استنساخ تجارب دول إسلامية سباقة في هذا الشأن، متى كانت هذه الكرامة “الوطنية”، والذود عن السيادة المعنوية؟
لأن الوقائع المتسلسلة تدل على أن هذا الرفض، وتلكم السيادة والكرامة، لم تكن أبدا مبدأ يُنتهج مع كل منتوج غير مغربي، بل هو سيف مسلط على كل ما هو إسلامي فحسب، وبيداغوجا الإدماج التي تم إسقاطها على واقعنا التربوي بحذافيرها، ليست منا ببعيد!
ومما يعزز تخوفنا حول تدخل الدولة العميقة، هو الخبر الذي نما إلى علم الإعلام، مفاده منع التعامل مع بعض المصارف الإسلامية، بدعوى اتهامها بتمويل ما يسمى الإرهاب أمريكيا.
بل إن بعض الخبراء الاقتصاديين يبدون تخوفهم من وضع عراقيل في طريق المصارف الإسلامية، وذلك برفع تكلفتها، بالنسبة للزبناء قصد فضهم عنها، وحماية للقروض الربوية، من منافسة المصارف الإسلامية.
فمتى ستظل البلاد تدار بمقاربات أمنية، وتبعية فرانكفونية، ومصالح شخصية ضيقة؟
وهل مناقشة أمر المصارف الإسلامية هو الذي سيطور البلاد، ويقوي الاقتصاد، أم إثارة الضجيج حول حقوق الشواذ والسحاقيات، والحق في التعري و”التصالح مع الجسد”! عوض التصالح مع شرع رب العالمين؟
ومع كل هذا التخوف، ندعو الله أن تخيب شكوكنا، وترى أولى الرخص المتعلقة بفتح المصارف الإسلامية النور في أكتوبر 2013م، كما هو معلن، دون تدخل مريب من أي جهة.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1- موقع منتدى التمويل الإسلامي.
2- تنامي الاهتمام بالاقتصادي الإسلامي في المجتمعات غير الإسلامية؛ الدكتور سليمان ناصر/الجزائر.
3- جريدة الأخبار 28 نونبر 2012.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *