بطولات الحسين المعروف بـأبي ريالة ومتطوعة الحياينة وبعض القبائل

لقد عرفت هذه الحرب بطولات سطرت في التاريخ، وأعلت أصحابها حتى قاربوا السحاب، ولكن عيب المغاربة في ذاك الزمان هو قلة التنظيم، والعشوائية في التسيير، وعدم طاعة الأمير، وعلى الرغم من ذلك فإن العدو الإسباني عانى الأمرّين وفقد الكثير لأنه واجه رجالا كأبي ريالة وقبائل كالحياينة وبني سفيان ومالك وغيرهم.
قال صاحب الاستقصا في ذكر بطولة المجاهد الحسين المعروف بأبي ريالة: حكى من حضر وتواتر عنه أنه كان معلما براية صفراء وكان يضمها إلى صدره ويسددها نحو العدو، ثم يحمل على صفهم فيخرقه حتى يأتي من خلفه ويفتك فيهم أشد الفتك، ثم يعود ويستلب خيل العدو ويقودها بأرسانها ويأتي بها حتى يدفعها لمن بإزائه.
وكان إذا تقدم نحو العدو يقول لمن حوله تقدموا فأنا درقتكم وأنا سوركم تكرر ذلك منه المرة بعد المرة، ولما أصبح العدو بالمضيق فارق البحر وصمد إلى تطاوين فدخل بين جبلين وكان في انتهاء ذلك المضيق الذي بين الجبلين من جهة تطاوين ويسمى فم العليق بعض أخبية أهل فاس وغيرهم، فصمد العدو نحوهم وبغتهم بالكور والضوبلي وهو يقرع طبوله حتى أعجل البعض منهم عن حمل أثقاله.
ولما وصل إلى هذا الموضع حصل بتطاوين انزعاج كبير واستأنف الناس الجد والاجتهاد والقتال وتذامر جيش المسلمين وكان اليوم شديد المطر وقاتلوا قتالا شديدا، وأبدأ أبو ريالة وأعاد في هذا اليوم هلك تحته فرسان وأرسل له المولى العباس فرسه وكان يعتني به وينوه بقدره ويبعث الطبل يقرع على خبائه، وأصابته في هذا اليوم جراح خفيفة، وهلك من المسلمين والنصارى عدد كثير قيل هلك من أهل تطاوين فقط نحو الخمسمائة، وكان الظهور في ذلك اليوم للعدو.
ونذكر بطولة أخرى للمسلمين ففي شعبان سنة ست وسبعين ومائتين وألف 1276هـ اجتمع المسلمون وبيتوا محلة العدو النازلة خارج البلد في ليلة معلومة فتقدموا إليها، وهجموا عليها في ليلة مظلمة، وفتكوا فيهم فتكة بكرا، باتوا يقتلونهم الليل كله، ومن الغد كذلك إلى المساء، وقاتل النصارى ذلك اليوم أيضا، ولكن الظهور كان للمسلمين، ولولا قوة نفوس العدو باستنادهم إلى البلد وتحصن كبيرهم بها، لكانوا انكسروا كسرة شنيعة، وكان عدد القتلى من النصارى في هذه الوقعة نحو الخمسمائة والجرحى أكثر من ألف، وأما المسلمين فكان القتل فيهم ضعيفا.
ثم إن أردنيل أقام بعد هذه الوقعة نحو عشرة أيام ريثما استجم جيشه وأبلت جرحاه وخرج في تمام الشوكة وكمال الاستعداد يريد أن يضرب في محلة المسلمين، فجعل تطاوين خلفه وتقدم حتى كان بوادي أبي صفيحة فلما شعر به الناس من أهل المداشر والمتطوعة تسابقوا إليه من كل جانب، ووافق ذلك اليوم قدوم عرب الحياينة، جاؤوا في حرد كبير وحنق شديد، فقويت قلوب الناس بهم واشتد أزرهم وتقدموا إلى العدو فأنشبوا معه الحرب بأبي صفيحة قبل أن يصل إلى محلة المسلمين، فأوقعوا به وقعة أنست ما قبلها، فقتلوا منه ما خرج عن الحصر، وأما الجرحى فقل ما شئت، وكست قتلاه الأرض، ولما أعياه الدفن جعل يجمع الجماعة من الثمانية إلى العشرة ويهيل عليها التراب.
ومع ذلك بقي منه عدد كبير بلا دفن حتى أنتن موضع المعركة من شدة نتن الجيف ونال المسلمون من عدوهم في هذا اليوم ما لم ينالوا قبله مثله ولا ما يقاربه، وكان الذكر فيه لعرب الحياينة ثم للمتطوعة غيرهم وأما محلة المولى العباس فكانت بعيدة عن المعركة بمسافة كبيرة.
وقد ذكر منويل خبر هذا اليوم فأقر بأنه أهرق منهم دم كثير وخسروا فيه عددا كبيرا من نفوس العسكر والخيل ولما بلغ المولى العباس أن العدو قد برز من تطاوين وأن المسلمين يقاتلونه الآن في أبي صفيحة قلب رأيه واستأنف النظر في عاقبة أمره ورأى أن المسلمين وإن نالوا من العدو في هذه المرة وأبلغوا في نكايته لكن الثمرة ضعيفة من جهة أن نكايتنا له إنما هي في القتل والجرح ونكايته في أخذ الأرض والاستيلاء عليها، فجنح رحمه الله إلى الصلح واختاره على الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *