قصيدة العدد

من قصيدة لابن الروميّ يمدح فيها الصبر وحسن عاقبته ويوصي باجتلابه

أرى الصبر محمودا وعنه مذاهب
هناك يحقّ الصبر، والصبر واجب
فشدّ امرؤ بالصبر كفّا فإنه
هو المهرب المنجى لمن أحدقت به
لبوس جمال جنّة من شماتة
فيا عجبا للشيء هذى خلاله
وقد يتظّنى الناس أن أساهم
فإنهما ليسا كشيء مصرّف
فإن شاء أن يأسى أطاع له الأسى
وليسا كما ظنوهما بل كلاهما
يصرّفه المختار منا فتارة
اذا احتجّ محتجّ على النفس لم تكد
وساعدها الصبر الجميل فأقبلت
وإن هو منّاها الأباطيل لم تزل
فيضحى جزوعا إن أصابت مصيبة
فلا يعذرنّ التارك الصبر نفسه فكيف إذا ما لم يكن عنه مذهب
وما كان منه كالضرورة أوجب
له عصمة، أسبابها لا تقضّب
مكاره دهر ليس منهنّ مهرب
شفاء أسى يثنى به ويثوّب
وتارك ما فيه من الحظ أعجب
وصبرهم فيهم طباع مركّب
يصرّفه ذو نكبة حين ينكب
وإن شاء صبرا جاءه الصبر يجلب
لكلّ لبيب مستطاع مسبّب
يراد فيأتى، أو يزاد فيذهب
على قدر يمنى لها تتعتّب
إليها له طوعا جنائب تجنب
تقاتل بالعتب القضاء وتغلب
ويمسى هلوعا إن تعذّر مطلب
بأن قيل: إن الصبر لا يتكسّب

وتلك الأمثال
– إِنْ يَبْغِ عَلَيْكَ قَوْمُكَ لاَ يَبْغِ عَلَيْكَ القَمَرُ
قال المفضل بن محمد: بلغنا أن بني ثعلبة ابن سعد بن ضبة في الجاهلية تَرَاهنوا على الشمس والقمر ليلة أربع عشرة، فقالت طائفة: تطلع الشمس والقمر يُرَى، وقالت طائفة: بل يغيب القمر قبل أن تطلع الشمس فتراضَوْا برجل جَعَلوه بينهم، فقال رجل منهم: إن قومي يبغون علي، فقال العَدْل: إِنْ يَبْغ عليك قومُك لا يبغ عليك القمر، فذهب مثلاً. هذا كلامه.
والبغي: الظلم، يقول: إن ظلمك قومُك لا يظلمك القمر، فانظر يتبين لك الأمر والحق. يضرب للأمر المشهور.
– إنْ كُنْتَ رِيحاً فَقَدْ لاَقَيْتَ إِعْصارا
قال أبو عبيدة: الإعصار ريحٌ تهبّ شديدة فيما بين السماء والأرض.
يضرب مثلا للمُدِلّ بنفسه إذا صُلِىَ بمن هو أدهى منه وأشدّ.
(من مجمع الأمثال للميداني).

فوائد
اشتقاق لفظ الإنسان

فيه أربعة أقوال:
الأول: من الأُنس الذى هو نقيض الوحشة، لأن الناس بعضهم يأنس إلى بعض. وبه أخذ بعض الشعراء في قوله:
وما سمّى الإنسان إلا لأنسه … ولا القلب إلا أنه يتقلّب.
الثاني: من النّوس، مصدر ناس ينوس إذا تحرّك. ومنه قيل لملك من ملوك حمير ذو نواس: لضفيرتين كانتا تنوسان على عاتقه.
الثالث: أنه مشتق من الإيناس، الذى هو بمعنى الإبصار؛ ومنه قوله تعالى: «إنّي آنست نارا» أي أبصرت نارا.
الرابع: أنه مشتق من النّسيان، وبه أخذ أبو تمام في قوله:
لا تنسين تلك العهود فإنما … سمّيت إنسانا لأنك ناسى.
(من كتاب “نهاية الأرب في فنون الأدب” باختصار).

سحر البيان
قال زهير بن أبى سلمى:
ومن يغترب يحسب عدوّا صديقه … ومن لا يكرّم نفسه لا يكرّم
ومهما يكن عند امرىء من خليقة … ولو خالها تخفى على الناس تعلم
ومن لا يصانع في أمور كثيرة … يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم
ومن يجعل المعروف من دون عرضه … يفره ومن لا يتّق الشتم يشتم
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله … على قومه يستغن عنه ويذمم
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه … يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم
ومن يعص أطراف الزّجاج فإنه … مطيع العوالى ركّبت كلّ لهذم
وقال طرفة بن العبد:
حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض … ما أشبه الليلة بالبارحه
وقال أيضا:
ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

نظرات في الأدب
قال العسكري رحمه الله في كتابه الصناعتين: “الكلام- أيدك الله- يحسن بسلاسته، وسهولته، ونصاعته، وتخيّر لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين مقاطعه، واستواء تقاسيمه، وتعادل أطرافه، وتشابه أعجازه بهواديه، وموافقة مآخيره لمباديه، مع قلّة ضروراته، بل عدمها أصلا، حتى لا يكون لها في الألفاظ أثر؛ فتجد المنظوم مثل المنثور في سهولة مطلعه، وجودة مقطعه، وحسن رصفه وتأليفه؛ وكمال صوغه وتركيبه.
فإذا كان الكلام كذلك كان بالقبول حقيقا، وبالتحفظ خليقا؛ كقول الأول:
هم الألى وهبوا للمجد أنفسهم … فما يبالون ما نالوا إذا حمدوا
وقول معن بن أوس:
لعمرك ما أهويت كفّى لريبة … ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصرى لها … ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
وأعلم أنّى لم تصبني مصيبة … من الدّهر إلّا قد أصابت فتى قبلي
ولست بماش ما حيبت لمنكر … من الأمر لا يمشى إلى مثله مثلي
ولا مؤثرا نفسى على ذي قرابة … وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي”

فسحة الواحة
حكى عن أبي دلامة أنه كان واقفا بين يدى السفاح أو المنصور، فقال له: سلني حاجتك؛ فقال أبو دلامة: كلب صيد؛ قال: أعطوه إياه. قال: ودابّة أتصيّد عليها. قال: أعطوه. قال: وغلام يقود الكلب ويتصيّد به؛ قال: أعطوه غلاما.
قال: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه؛ قال: أعطوه جارية. قال: هؤلاء يا أمير المؤمنين عيال فلا بدّ لهم من دار يسكنونها؛ قال: أعطوه دارا تجمعهم.
قال: فإن لم يكن ضيعة فمن أين يعيشون؟ قال: قد أقطعتك مائة جريب عامرة ومائة جريب غامرة. قال: وما الغامرة؟ قال: ما لا نبات فيه. قال: قد أقطعتك يا أمير المؤمنين خمسمائة ألف جريب غامرة من فيافي بنى أسد. فضحك وقال: اجعلوا المائتين كلها عامرة.
– قال إبراهيم بن سيابة لبشّار الأعمى: ما سلب الله من مؤمن كريمتيه إلا عوّضه عنهما: إمّا الحفظ والذكاء، وإمّا حسن الصوت. فما الذى عوّضك الله عن عينيك؟ قال: فقد النظر لبغيض ثقيل مثلك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *