آيات تفهم على غير وجهها (سورة مريم) إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً}(71).
(واردها) الضمير يعود على النار، فما حقيقة هذا الورود حتى يزول الإشكال؟
فقد فصل الإمام ابن جرير الطبري القول في ذلك في الأقوال التالية:
القول الأول: قَالَ ابْن عَبَّاس: (وإن منكم إلا واردها) هِيَ النَّار، قَالَ: والورود هُو الدُّخُول، وَقَالَ: يدخلهَا الْبر والفاجر، ثمَّ ينجو الْبر، وَيبقى الْفَاجِر. واستدل بقوله تعالى: {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ}.
وعَن ابن مسعود رضي الله عنه أَن النَّاس يردون النَّار، ويصدر الْمُؤْمِنُونَ عَنْهَا بأعمالهم، فأولهم كلمح الْبَصَر، ثمَّ كَالرِّيحِ ثمَّ كحضر الْفرس، ثمَّ كشد الرجل، ثمَّ كالماشي.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد من الْآيَة هم الْكفَّار. هَذَا قَول عِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير. وقرئ فِي الشاذ: “وَإِن مِنْهُم إِلَّا واردها”. وعَلى هَذَا كثير من أهل الْعلم، وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى: {إِن الَّذين سبقت لَهُم من الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا}.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن المُرَاد من الْوُرُود هُو الْحُضُور والرؤية دون الدُّخُول. وَهَذَا قَول الْحسن وَقَتَادَة، وَقد يذكر الْوُرُود بِمَعْنى الْحُضُور، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلما ورد مَاء مَدين} أَي: حضر.
وَالْقَوْل الرَّابِع، رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها: الْقِيَامَة. وَقد استحسنوا هَذَا القَوْل لتقدم ذكر الْقِيَامَة.
وَالْقَوْل الْخَامِس: أَنها الصِّرَاط.
وَفِي الْآيَة قَول سادس: رُوِيَ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: وُرُود النَّار هُو الْحمى فِي الدُّنْيَا.
وانتصر الإمام الطبري إلى القول الأول.

– قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَو تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً}(98).
(ركزا) توحي على أنها من الصراخ والجلبة، وهي هنا نقيض ذلك.
قال ابن كثير: قوله تعالى (أَو تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) قال ابن عباس وأبو العالية وعكرمة والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك وابن زيد: يعني: صوتا.
وقال الحسن، وقتادة: هل ترى عينا، أو تسمع صوتا.
والركز في اللغة: هو الصوت الخفي، قال الشاعر:
فتوجست ركز الأنيس فراعها … عن ظهر غيب والأنيس سقامها
قال القرطبي: (أو تسمع لهم ركزا) أي صوتا عن ابن عباس وغيره أي قد ماتوا وحصلوا على أعمالهم. وقيل: حسا، قاله ابن زيد. وقيل: الركز ما لا يفهم من صوت أو حركة قاله اليزيدي وأبو عبيدة كركز الكتيبة.
وقيل: الصوت الخفي. ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي: أو تسمع لهم ركزا، أي: صوتا، وأصل الركز: الصوت الخفي، ومنه ركز الرمح: إذا غيب طرفه وأخفاه في الأرض، ومنه الركاز: وهودفن جاهلي مغيب بالدفن في الأرض.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *