التحالف الاستراتيجي الغربي الفارسي

مثلت إيران (بلاد فارس سابقاً) عَبْر التاريخ طرفاً رئيساً في النزاعات والتوترات المزمنة في المنطقة، ولم ينته هذا الأمر برحيل نظام معيَّن من الأنظمة التي تعاقبت على حكم بلاد فارس منذ بداية القرن العاشر الهجري ولغاية اليوم.
ففي بداية ذلك التاريخ (907هـ -1501م) نشأت في إيران دولة قائمة على أُسُس عقدية تُضمِر العداوة لكل مَن هو عربي ومسلم سُّنِّي، وتطمح لإعادة الإمبراطورية الفارسية الكسروية البائدة.
وقد بقي حلم إعادة تلك الإمبراطورية المندثرة هدفاً استراتيجياً ثابتاً لدى جميع الأنظمة التي أعقبت العهد الصفوي.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فقد خاضت إيران حروباً وصراعات عديدة ضد الدولة العثمانية التي كانت تُمثِّل آنذاك دولة الخلافة الإسلامية السُّنِّية، وقد خاضت حروبها تلك مدعومة من قِبَل الصليبيين الذين وجدوا في الدولة الصفوية ضالتهم المنشودة؛ لإضعاف الدولة العثمانية ووَقْفِ زحفها نحو أوروبا التي كانت على وشك الانهيار والدخول في الإسلام.
ولهذه الغاية فقط أوكلت الحكومة البريطانية مهمة بناء جيش نظامي وإنشاء مصنع للسلاح في مدينة أصفهان عاصمة الدولة الصفوية في عهد الشاه عباس الأول (حكم من 989/1038هـ) إلى الأخوين (أنتوني شرلي ورابرت شرلي) ووضعت تحت إمرتهم 25 ضابطاً من الجيش البريطاني؛ لتنظيم العلاقات والتعاون بين الدولة الصفوية والدول الأوروبية؛ لمحاربة الدولة العثمانية!
وقد انتقل هذا التعاون بين الغرب والدولة الصفوية إلى الحكومات الإيرانية المتعاقبة، وهي: الأفشارية، القاجارية، والبهلوية، وقد بلغ هذا التعاون أَوْجَهُ في زمن الحكم البهلوي (1926م – 1979م)؛ حيث تحولت فيه إيران إلى قاعدة غربية في المنطقة، وأصبحت مصدر حروب وتهديد لجيرانها والمنطقة عامة قبل قيام الكيان الصهيوني.
ومكافأة لدورها المساند للغرب، فقد دفعت الدول الاستعمارية إيران لضم إمارة الأحواز العربية، وسمحت لها أيضاً باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى؛ وذلك بهدف تقويتها للقيام بحفظ المصالح الغربية على أحسن وجه.
وعند قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، كانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت بهذا الكيان وَمدَّته بالنفط والغاز، كما سمحت لليهود الإيرانيين بالهجرة إلى الكيان؛ لتقديم الخبرات والتطوع في جيش الاحتلال.
واستطاع العديد من اليهود الإيرانيين تسنُّم مناصب عليا في الحكومات اليهودية، ومنهم على سبيل المثال رئيس الكيان السابق موشي كسَّاف (موسى قصاب) وأصله من مدينة «يزد» الإيرانية وكان من زملاء الدراسة الابتدائية للرئيس الإيراني السابق (محمد خاتمي).
وكذلك بالنسبة لوزير الحرب الصهيوني السابق «شاؤول موفاز» فهو أيضاً من اليهود الإيرانيين وأصله من طهران، وهناك الكثير من اليهود الإيرانيين الذين شغلوا مناصب عليا في حكومات الكيان الصهيوني، وقَدَّموا خدمات كثيرة لإيران، ولعبوا دوراً كبيراً في التعاون بين إيران والكيان الصهيوني.
فعلى الرغم من التبني والرعاية الغربية الكاملة للكيان الصهيوني إلَّا أن ذلك لم يُسقِط دور إيران وأهمية التعاون معها، كما أن ذلك لم يُلْغِ المسعى الإيراني لتحقيق حلم إعادة الهيمنة الفارسية على المنطقة؛ حيث لم تجد إيران في وجود هذا الكيان (اللقيط) عائقاً لتحقيق مخططها بقدر ما هو مساعد لها على تحقيق ذلك؛ فالنظرة الإيرانية لليهود تقوم على الأساس نفسه الذي وضعه الإمبراطور «قورش الإخميني» عند تحريره اليهود من السَّبْيِ البابلي، وهو أن اليهود جنس له شبه كبير بالجنس الآري (الفارسي)، ويمكن الاستفادة منه من خلال إغرائه بالمال. (انظر: تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة والعالم الإسلامي؛ صباح الموسوي الأحوازي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *