من السنة النبوية:
ذكرنا في العدد السابق عشرة أدلة قرآنية في إثبات العلو لله عز وجل، وكان الدليل العاشر قوله تبارك وتعالى: {أأمنتم من في السماء}، وقد أولت طائفة أن من في السماء هم الملائكة وليس الله، وهذا قول باطل لأن الأحاديث تثبت أن الله في السماء، ومن هذه الأحاديث:
أولاً: الحديث الذي رواه أحمد وأبو داوود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” وهو حديث صحيح، والحديث يتكلم عن الرحمن تبارك وتعالى، ولا يتكلم عن الملائكة، فالله هو الذي يرحم ويعذب ويعاقب.
ثانياً: الحديث الذي يتحدث عن الروح الخبيثة والروح الطيبة حينما تُتوفى، وهذا الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… فيُنطلق به إلى ربه” أي أن الروح الطيبة تصعد إليه تعالى، ثم يأمر عز وجل بكتابة عبده في أعلى عليين.
ثالثاً: التصريح برفع الأيدي إلى الله تعالى، فعن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين” حديث صحيح.
رابعاً: التصريح بالنزول كل ليلة إلى السماء الدنيا، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “يتنزّل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له”؛ ونحن نعلم أن النزول المعقول عند جميع الأمم يكون من علو إلى سفول، والله أعلم بكيفية النزول.
خامساً: الإشارة حساً إلى العلو كما أشار إليه من هو أعلم بربه محمد صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع حينما قال: “أنتم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فرفع إصبعه الكريمة إلى السماء رافعاً لها إلى من هو فوقها وفوق كل شيء قائلاً: اللهم فاشهد” رواه مسلم وأبو داوود من حديث جابر بن عبد الله.
سادساً: التصريح بلفظ “أين” كقول أعلم الخلق به وأنصحهم لأمته وأفصحهم بياناً عن المعنى الصحيح بلفظ لا يوهم باطلاً، بقوله للجارية السوداء: “أين الله؟” فلما أشارت إلى الأعلى أقر جوابها عليه الصلاة والسلام، وأمر بإعتاقها لأنها مؤمنة بقولها أن الله في السماء.
سابعاً: إخباره صلى الله عليه وسلم كيف تردد بين موسى عليه السلام وبين ربه في المعراج مراراً عدة، والحديث ثابت في الصحيحين.
ثامناً: الأحاديث الدالة على رؤية أهل الجنة لله تعالى، وإخباره لنبيه أنهم يرونه كرؤية الشمس والقمر، فلا يرونه إلا من فوقهم، ونعلم أنه لا يتم إنكار الفوقية إلا بإنكار الرؤية، ولهذا نفى الجهمية الأمرين: الرؤية والفوقية، وأثبت أهل السنة والجماعة الأمرين، وصار عندهم من أثبت الرؤية ونفى العلو مذبذباً بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فهذه بعض الأدلة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، علاوة على ما أوردناه في العدد السابق من أدلة القرآن الكريم؛ وكلها تثبت وتبين علو الله تبارك وتعالى، وتنسف بالمقابل كل شبهات الجاهلين الذين ينفون علوه سبحانه، إن يظنون إلا ظناً، وإن هم إلا يخرصون.
وختاما، نُعرِّج للذكرى على خطورة الخوض في الكيفية فيما يتعلق بعلو الله عز وجل، وكيفية استوائه على عرشه، وكيفية نزوله إلى السماء الدنيا كما يتجرأ البعض على الخوض في هذا، بل نحن نؤمن ونسلم فقط دون الخوض في الكيفية؛ ولله در إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه، لما سئل عن الاستواء، قال: “الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة”.