قال ابن الجوزي رحمه الله – أيضاً – في صيد الخاطر ص/22 :
أعظم المعاقبة أن لا يحسَّ المعَاقَبُ بالعقوبة، وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة كالفرح بالمال الحرام، والتمكُّن من الذنوب ؛ ومن هذه حاله لا يفوز بطاعةٍ.
• وإني تدبَّرت أحوال أكثر العلماء والمتزهِّدين فرأيتهم في عقوباتٍ لايحسُّون بها، ومعظمها من قِبَل طلبهم للرياسة
• فالعالم منهم يغضب إن رُدَّ عليه خطؤُهُ ، والواعظ متصنِّعٌ بوعظه!، والمتزهِّدُ منافقٌ أو مراءٍ
• فأوَّلُ عقوباتهم إعراضهم عن الحق ؛ اشتغالاً بالخلق
• ومن خفيِّ عقوباتهم: سلب حلاوة المناجاة ولذَّة التعبُّد
• إلاَّ رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمنات = يحفظ الله بهم الأرض؛ بواطنهم كظواهرهم؛ بل أجلى، وسرائرهم كعلانيتهم؛ بل أحلى، وهممهم عند الثريَّا؛ بل أعلى، إنْ عُرِفُوا تنكَّروا، وإن رُئيت لهم كرامةٌ أنكروا
• فالناس في غفلاتهم، وهم في قطع فلواتهم
• تحبُّهم بقاع الأرض، وتفرحُ بهم أملاك السماء
• نسألُ الله -عزوجل- التوفيق لاتباعهم، وأن يجعلنا من أتباعهم. إهـ
وقال – رحمه الله – أيضاً في صيد الخاطر ص/25:
تأملت التحاسد بين العلماء فرأيت منشأه من حُبِّ الدنيا؛ فإنَّ علماء الآخرة يتوادُّون ويتحاسدون؛ كما قال الله عز وجل: (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا).
وقال تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للَّذين آمنوا)، وقد كان أبو الدرداء يدعو كل ليلةٍ لجماعةٍ من أصحابه .
درر وفوائد
قول علي (لا يرجُوَنّ عبدٌ إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه) هذا الكلام يؤثر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو من أحسن الكلام وأبلغه وأتمه، فإن الرجاء يكون للخير والخوف يكون من الشر، والعبد إنما يصيبه الشر بذنوبه كما قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) وإن سلط عليه مخلوق فما سلط عليه إلا بذنوبه، فليخف الله وليتب من ذنوبه التي ناله بها ما ناله، وأما كونه لا يخاف إلا ذنبه فلما علم من أنه لا تصيبه مصيبة إلا بذنوبه، وهذا يعلم بآيات الآفاق والأنفس وبما أخبر في كتابه.
مجموع الفتاوى 8/161–164
الأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد، وبهذا يتبين معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلاً وقال: إن وصل رحمه زده كذا وكذا، والملك لا يعلم أيزداد أم لا، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخـر.
مجموع الفتاوى 8 / 517
ويروى عن عمر أنه قال (الطمع فقر، واليأس غنى، وإن أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه) وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه، فإن الأمر الذي ييأس منه لا يطلبه ولا يطمع به، ولا يبقى قلبه فقيراً إليه، ولا إلى من يفعله.
مجموع الفتاوى 10/ 181 .