سحر البيان

ذم الكبر
اعلم أن الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل، وحسبك من رذيلة تمنع من سماع النصح وقبول التأديب، والكبر يكسب المقت، ويمنع من التآلف.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جرّ ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه».
وقال الأحنف بن قيس: ما تكبر أحد إلا من ذلة يجدها في نفسه. ولم تزل الحكماء تتحامى الكبر وتأنف منه.
ومر بعض أولاد المهلب بمالك بن دينار وهو يتبختر في مشيه، فقال له مالك: يا بني لو تركت هذه الخيلاء لكان أجمل بك، فقال: أو ما تعرفني؟ قال: أعرفك معرفة أكيدة أوّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة، فأرخى الفتى رأسه وكف عما كان عليه.
وأعظم من ذلك أن الله تعالى حرّم الجنة على المتكبرين، فقال تعالى: “تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً”.
وقال تعالى: “سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ”.
وقال الشاعر:
قولا لأحمق يلوي التيه أخدعه … لو كنت تعلم ما في التيه لم تته
التيه مفسدة للدين منقصة … للعقل مهلكة للعرض فانتبه
وقيل: لا يتكبر إلا كل وضيع، ولا يتواضع إلا كل رفيع، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (من المستطرف).
وقال القرطبي: قال ابن العربي: وكان شيوخنا يستحبون أن ينظر المرء في الأبيات الحكيمة التي جمعت هذه الأوصاف العلمية, ونقل هذه الأبيات:
كيف يزهو من رجيعه … أبد الدهر ضجيعه
فهو منه وإليه … وأخوه ورضيعه
وهو يدعوه إلى الحـ … ـش بصغر فيطيعه. (من صيد أفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال).

وتلك الأمثال
قصة فيها مثل من اتعظ بغيره واعتبر به
أسد وثعلب وذئب اصطحبوا فخرجوا يتصيدون. فصادوا حماراً وأرنباً وظبياً. فقال الأسد للذئب: أقسم بيننا. فقال: الأمر بين. الحمار للأسد والأرنب للثعلب والظبي لي. فخبطه الأسد فأطاح رأسه. ثم أقبل على الثعلب وقال: ما كان أجهل صاحبك بالقسمة هات أنت. فقال: يا أبا الحارث الأمر واضح. الحمار لغدائك والظبي لعشائك وتخلل بالأرنب فيما بين ذلك. فقال له الأسد: ما أقضاك. من علمك هذا الفقه. فقال: رأس الذئب الطائر من جثته (من مجاني الأدب).

فوائد
كنى بعض الحيوانات
أبو دِراص: الفأرة. وأبو الحِسْل: الضبِّ والحِسل ولده. وأبو الحصَيْن: الثعلب. وأبو جعدة: الذئب. وأبو بَراقش: طائر فيه ألوان يتلون ريشه في النهار عدة ألوان. وأبو المرقال: الغراب. وأبو الحِنْبِص: الثعلب.
وأبو الحارث: كُنْية الأسد. وأبو الأبَد: النسر.
وأبو جهل: النمر. وأبو الأثقال: البَغْل. وأبو الأخبار: الهُدْهُد. وأبو الأخطل: البِرْذَون.
وأبو الأشعث: البازي. وأبو أيوب: الجَمَل. وأبو جُهينة: الدب.
وأبو الحجاج: العُقاب والفِيل. وأبو دَغْفَل: الفيل. وأبو الحُسن: الطَّاووس. وأبو الحكم: ابنُ عِرْس. وأبو حيان: الفَهْد. وأبو خالد الكلب والثعلب. وأبو خبيب: القِرد. وأبو خداش: السِّنَّور والأرنب.
وأبو دُلَف: الخِنْزير. وأبو راشد: القِرْد. وأبو زفير: الأوز. وأبو زِياد وأبو صابِر: الحِمار. وأبو شُجاع وأبو طالِب: الفَرَس. وأبو طامِر وأبو عدي: البُرْغُوث. وأبو عاصِم: الزُّنبور. وأبو عِكْرِمة: الحمام.
وأبو العَوّام: السَّمَك. (منتقى من المزهر).

سلسلة أشهر القصائد
معلقة لبيد

هو: لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري، وكنيته: أبو عقيل. وهو صحابي أدرك الجاهلية والإسلام ولم يصح عنه من الشعر بعد إسلامه إلا قوله:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه … والمرء يصلحه القرين الصالح
كان رضي الله عنه من فحول الشعراء المخضرمين، ومعلقته في غاية الجودة والإحكام تضمنت وقوفا بالطلول وغزلا أنيقا ووصفا بديعا للناقة ثم عرجت على الفخر بأمجاد قبيلته .
مطلعها:
عَفَتِ الدِّيَار مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا … بِمِنىً تَأَبَّد غَوْلُهَا فَرِجَامُها
فَمَدَافِعُ الرّيّانِ عُرِّيَ رَسْمُها … خَلَقاً كما ضمِنَ الوُحِيَّ سِلاَمُهَا
دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِها … حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلاَلُها وَحَرامُهَا
رُزِقَتْ مَرَابِيعَ النّجومِ، وَصَابَها … وَدْقُ الرّواعِدِ، جَوْدُهَا فَرِهَامُها
مِنْ كُلِّ سَارِيَةٍ وَغَادٍ مُدْجِنٍ … وَعَشِيّةٍ مُتَجَاوِبٍ إرْزَامُهَا
فَعَلا فُرُوعِ الأيْهقانِ وَأَطْفَلَتْ … بِالجَلْهَتَينِ ظِباؤُها وَنَعَامُهَا
وَالعِينُ سَاكِنَةٌ على أطلائِها … عُوذاً تَأَجُّلُ بالفَضاءِ بِهَامُهَا
وَجَلاَ السّيولُ عَنِ الطّلُولِ كَأَنّها … زُبُرٌ تُجدّ مُتُونَها أَقْلامُهَا
أَوْ رَجْعُ واشِمَةٍ أُسِفُّ نؤورُها … كِفَفاً، تَعَرّض فَوْقَهُنَّ وِشَامُهَا
فَوَقَفْتُ أَسْأَلُهَا، وَكَيفَ سُؤَالُنا … صُمّاً خَوَالِدَ ما يَبينُ كَلامُهَا
عَرِيَتْ، وكَانَ بِهَا الجَميعُ، فأَبْكَرُوا … مِنْهَا وغُودِرَ نُؤْيُها وثُمَامُهَا
ومعلقة لبيد لم تأت على غرار قصائده المليئة بالحكم البليغة حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل» ولكنها مع ذلك اشتملت على صور شعرية رائعة وتشبيهات لطيفة ونسجت نسجا متماسكا متينا جعلت النابغة يشهد له أنه أشعر العرب.
ومن أجمل أبيات هذه المعلقة قوله مفتخرا بقومه:
إنَّا إذا التْقَتِ المَجَامِعُ لَمْ يَزَلْ … مِنّا لِزَازُ عَظِيمةٍ، جَشّامُهَا
وَمُقَسِّمٌ يُعْطي العَشيرةَ حَقَّها … وَمُغَذْمِرٌ لِحُقُوقِها، هَضَّامُهَا
فَضلاً، وذو كَرَمٍ يُعِينُ على النّدى، … سَمْحٌ كَسُوبُ رَغائبٍ غَنّامُهَا
مِنْ مَعشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آباؤُهُمْ، … ولِكُلّ قَوْمٍ سُنّةٌ وَإمَامُهَا
لا يَطبَعُونَ، ولا يَبُورُ فِعَالُهُمْ … إذْ لاَ تَميلُ معَ الهَوَى أَحْلاَمُهَا
فَبَنَوْا لَنا بَيتاً رَفيعاً سَمْكُهُ … فَسَمَا إلَيهِ كَهْلُها وغُلامُهَا
إنْ يَفْزَعُوا تُلْقَ المَغَافِرُ عِنْدَهُم، … والسِّنُّ تَلْمَعُ كَالكَواكبِ لاَمُهَا
فاقنَعْ بِمَا قَسَمَ المَلِيكُ فإنّما … قَسَمَ الخَلاَئِقَ بَيْنَنا عَلاّمُهَا
وإذا الأمانَةُ قُسّمتْ في مَعْشَرٍ … أَوْفَى بِأَعْظَمِ حَظِّنا قَسَّامُهَا
فَهُمُ السُّعاةُ إذا العَشيرَةُ أُفظِعَتْ … وَهُمُ فَوارِسُها وَهُمْ حُكّامُهَا
وهُمُ رَبِيعٌ للمُجاوِرِ فيهِمُ … والمُرْمِلاتِ إذا تَطَاوَلَ عَامُهَا
وَهُمُ العَشِيرَةُ أَنْ يُبَطَّىء حاسِدٌ … أَوْ أَنْ يَميِلَ مَعَ العَدُوِّ لِئَامُهَا

فسحة الواحة
– حُكي أن الحجاج خرج في بعض الأيام للتنزه فصرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه فلاقى شيخاً من بني عجل فقال له: من أين أنت يا شيخ. قال: من هذه القرية. قال: ما رأيكم بحكام البلاد. قال: كلهم أشرار يظلمون الناس ويختلسون أموالهم. قال: وما قولك في الحجاج. قال: أنجس الكل سود الله وجهه ووجه من استعمله على هذه البلاد. فقال الحجاج: تعرف من أنا. قال: لا والله. قال: أنا الحجاج. قال: أنا فداك وأنت تعرف من أنا. قال: لا. قال: أنا زيد بن عامر مجنون بني عجل أصرع كل يوم مرة في مثل هذه الساعة. فضحك الحجاج وأجازه.
– ادعى رجل النبوءة في زمان الرشيد. فلما أحضروه قدام أمير المؤمنين قال له: لكل نبي بينة تدل على نبوءته. فأي شيء من دلائلك. قال: اسأل ما تريد. قال: أريد أن تصير هؤلاء المماليك المرد كلهم بلحى. فأطرق إلى الأرض ساعة ثم رفع رأسه وقال: كيف يحل أن أصير هؤلاء المرد بلحي وأغير هذه الصورة الحسنة؛ ولكن أصير هؤلاء الذي هم بلحى مرداً في لحظة واحدة. فاستحسن الرشيد جوابه وعفا عنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *