لم تكن مفاجأة في الصور التي بثتها وكالة الأناضول للمعتقلين السوريين الذين قضوا تحت التعذيب والذين تجاوز عددهم أحد عشر ألفاً؛ ولكن المفاجأة كانت في هذا الكم الشديد من القسوة والإجرام وهذا العدد الضخم الذي ظهر فيها ليؤكد إجرام هذا النظام والذي يعتبر بحق توثيقا مؤكدا لجريمة هذا النظام مع الشعب السوري الأعزل.
ورغم أن العالم لا يمتلك ضميرا حيا يدفعه للتحرك لنجدة هؤلاء المستضعفين إلا أن وجود هذه الصور وأمثلتها من الأدلة المادية الملموسة قادر بعض الشيء على إزعاج هذا النظام الذي يخشى بعض أركانه من الملاحقات الدولية حتى لو بعد مرور عدد من السنوات.
ولهذا يلجأ النظام السوري لعدم ترك أدلة مادية ملموسة يمكنها أن تستخدم -ولو بعد حين- في تحريك عدد من القضايا الدولية ضده، ويتخذ في ذلك عدة إجراءات احترازية منها محاولته إخفاء الجثث التي يقضي عليها في مقابر سرية جماعية حتى يطمس خلفه كل دليل.
فأكدت الهيئة العامة للثورة السورية على لسان الناشط “عامر القلموني” الناطق باسمها ومدير المركز الإعلامي في القلمون الذي أكد أن النظام السوري يقوم بدفن المعتقلين في مقابر جماعية سرية غير معروفة تحسباً للملاحقة الدولية وخاصة بعد الكشف عن إحدى المقابر السرية التي أظهرت وجود جثث لضحايا النظام.
فينقل موقع “كلنا شركاء” حديثا للقلموني ذكر فيه اكتشافهم لإحدى هذه المقابر والتي تدعى بـ”مقبرة تبوكية” والتي تقع بالقرب من مقر الفرقة الثالثة في القلمون، وذكر أن مساحة المقبرة مساحة كبيرة جدا فتقدر بحوالي 15 ألف متر مربع وأنها محكمة الدخول والخروج وأنها تقع في منطقة يصعب الوصول إليها لأنها ضمن مقرات الفرقة الثالثة وهي منطقة عسكرية بالطبع تتمتع بسرية وإحكام المناطق العسكرية.
وابتعد النظام -كما قال القلموني- كثيرا في الآونة الأخيرة عن دفن المعتقلين في المقابر الجماعية التي باتت معلومة لوسائل الإعلام وللمنظمات والهيئات الدولية مثل مقبرة نجها وغيرها، واستبدلها بمدافن جماعية ضمن مواقع عسكرية تحت سيطرته، بحيث تكون بعيدة عن مناطق المدنيين ورجح أن تكون المقبرة المكتشفة حديثا مخصصة لدفن الجثث التي تنقل إلى المشفى العسكري 601 من معتقلات السجون الأمنية.
ويستند المتحدث باسم الهيئة العامة للثورة السورية إلى مصدر عسكري كان يرافق الضابط المسئوول عن الدفن ليؤكد أن دفن الجثث فيها بدأ منذ أكثر من عام تقريبا، وأن المقبرة تضم جثث المئات من المعتقلين الذين تحدث عنهم التقرير الأخير الذي كشفت عنه وكالة الأناضول، وأنه نقل إليها جثث قتلى مجزرة جديدة الفضل وذلك بعد دفنهم في مقبرة جديدة الفضل فانتشلوا ونقلوا إلى مقبرة “تبوكية” لإخفاء معالم الجريمة تماما.
أما عن جثث قتلى معتقل صيدنايا قال القلموني أن “جثث قتلى معتقل صيدنايا غالباً ما يتم دفنهم ضمن سور السجن، أو نقلهم إلى مقبرة جماعية تقع ضمن أراضي قطعة عسكرية قرب السجن، تتوسع المنطقة ما بين المتحلق الشمالي وسجن صيدنايا، مضيفاً أن العديد من الناشطين الإعلاميين شاهدوا سيارات شاحنة تنقل الجثث إلى تلك المقبرة، وقد ظهرت على تلك السيارات آثار الدم المتسرب من صناديقها”.
ومن جانبه وحول نفس الموضوع أصدر اتحاد تنسيقيات الثورة بيانا اعتبر فيه أن ما بثته وكالة الأناضول جريمة حرب منظمة متكاملة الأركان يتحمل النظام السوري وحدة مسؤوليتها وناشد فيه العالم الحر وجميع المنظمات الحقوقية والمؤسسات الإعلامية بضرورة الضغط المستمر لفضح جرائم الأسد، وإنقاذ أرواح أكثر من 300 ألف معتقل -بحسب البيان- ضمن سجون النظام الأسدي.
وأشاد البيان بالدور الإعلامي الهام في توثيق هذه الجرائم مشيدا بوكالة الأناضول التي تجاوبت مع هذه القضية ومع معاناة ومأساة الشعب السوري، ونقلت للرأي العام العالمي حقيقة ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل النظام في سورية لكي تضع العالم كله أمام أدلة موثقة لهذه الجريمة.
ربما لا يتحرك العالم الآن وربما لا تقام المحاكم اليوم ولكن مجرد توثيق هذه الجرائم خطوة هامة لكي تكون أدلة موثقة لجرائم لا تسقط بالتقادم مهما طال عليها الأمد لينال كل مجرم عقابه في الدنيا “وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى” لمن مات منهم دون أن يتوب توبة خالصة تحقيقا للوعيد الإلهي “إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ”، فإن غفل الخلق أو ضاع الحق بينهم فيوم القيامة قادم وعين الله لا تغيب “وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ”.