واجه المسلمون في أوروبا الكثير من الأزمات والمشكلات، السياسية والاجتماعية والدينية، وفي مقدمتها موجة العنصرية «الإسلامفوبيا» المتزايدة من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة هناك -ومعظم الأحزاب الأوروبية فيما يخص الإسلام يمينية ومتشددة وعدائية- والتي تتزايد ويتصاعد نفوذها وشأنها يوما بعد يوم.
ولا شك أن تزايد أعداد المسلمين المذهل في أوروبا قد زاد من حدة هذه المشكلات، فقد كشفت دراسة أجريت في ألمانيا عام 2007م أن عدد المسلمين المقيمين في أوروبا يصل إلى 53 مليون نسمة، وقد نشر موقع «المجلس الأعلى للمسلمين» بألمانيا نقلا عن مركز الأرشيف الإسلامي الذي قام بالإحصائية، أن عدد المسلمين بأوروبا يبلغ 53.713.953، من بينهم 15.890.428 مسلم يسكنون في دول الاتحاد الأوروبي.
وأمام هذه التحديات التي تحيق بالمسلمين هناك، كان لا بد من البحث عن الحلول الناجعة بالوسائل والإمكانات المتوفرة، لضمان استمرار محافظة المسلمين وأولادهم على دينهم، والتخطيط لمستقبل وواقع أفضل للمسلمين هناك، وعدم وقوف هذه العقبات حاجزا ومانعا أمام استمرار الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة قولا وعملا وسلوكا.
وفي خطوة نحو الوصول إلى هذه الأهداف المنشودة، انطلقت في العاصمة البلجيكية “بروكسل” أعمال ملتقى مسلمي أوروبا، الذي ينظمه مجلس الشورى الإسلامي الأوراسي، واستمر يومين.
وانعقد المؤتمر تحت عنوان «الوحدة في التنوع.. نبحث معًا عن المستقبل في أوروبا»، وناقش الملتقى عدة قضايا، أبرزها: «مأسسة الإسلام في أوروبا، وظاهرة «الإسلامفوبيا»، والتعليم الديني، وثقافة العيش المشترك».
وهي قضايا ذات أهمية كبيرة، فما زالت المؤسسات الإسلامية في أوروبا أقل من المرجو والمأمول، كما أن ظاهرة «الإسلامفوبيا» تنمو وتزداد ولا بد لها من حل وعلاج قبل أن تصل إلى حدود لا ينفع معها شيء من ذلك.
وإذا تحدثنا عن التعليم الديني فإن غالبية الدول الأوربية تحظر إدخال التعليم الديني الإسلامي في مناهج مدارسها العامة، الأمر الذي يحرم المسلمين هناك من تعلم أمور دينهم، ليقتصر تعلم ذلك على المدارس الخاصة والمساجد والمراكز الإسلامية، التي لا تستطيع أن تحل محل المدارس العامة بطبيعة الحال.
وشارك في الملتقى علماء دين من كل من بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وروسيا، والنمسا، والدنمارك، والبوسنة والهرسك، وكرواتيا، ومقدونيا، وسلوفينيا، وكوسوفو، والجبل الأسود، وبولونيا، وجمهورية قبرص التركية.
يأتي ذلك في وقت يشكو المسلمون في العديد من بلدان الغرب من عنصرية واضحة وعداء متزايد، وقد أشارت منظمة العفو الدولية إلى ذلك من خلال منع ارتداء النقاب، وحرمان واستثناء المسلمين من التوظيف، إضافة لحظر بناء المساجد والتشريعات الداخلية التي تستهدف المسلمين.
وكانت الحركات اليمينية المتطرفة قد كثفت نشاطها في الفترة الأخيرة للدعوة لطرد المسلمين من أوروبا، ومنعت بعض الدول بناء المآذن، بينما رفضت دول أخرى السماح بالحجاب في المدارس، وفرضت غرامات على المنتقبات، كما قيدت العديد من الدول الذبح الإسلامي بحجة أنه ينافي حقوق الحيوانات.
وتمكنت بعض الأحزاب العنصرية في أوروبا من كسب مقاعد عديدة في البرلمان وهو ما يعني أن «الإسلامفوبيا» في طريقها لأخذ طابع رسمي في أوروبا، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من اضطهاد المسلمين.
لقد دخلت ظاهرة «الإسلامفوبيا» في أوروبا المرحلة الثالثة بعد أن تجاوزت المرحلة الأولى باستغلال حرية التعبير للإساءة للإسلام كما في الرسوم الكاريكاتورية والأفلام المسيئة، والثانية من خلال مأسسة العداء للمسلمين بعد الاستفتاء الذي شهدته سويسرا وأسفر عن قرار منع بناء المآذن.
ومع أهمية المؤتمرات واللقاءات والندوات في مواجهة هذه المخاطر الحقيقية التي تحدق بالمسلمين في أوروبا، إلا أن مستقبل المسلمين في أوربا لا ينحصر في ذلك، بل لا بد من تطبيق صحيح للإسلام من قبل المسلمين هناك، لإعطاء صورة مشرقة عن هذا الدين العظيم، ولا بد من دعم مادي ومعنوي من قبل الدول الإسلامية للجاليات الإسلامية لتحقيق ذلك.