حوار جرى سنة 1955 حول تبني اللادينية في العمل السياسي

في أوائل نونبر 1955م «كانت الأحداث السياسية.. في قمة عنفها خصوصا بعد رحيل بن عرفة إلى طنجة وتأليف مجلس حفظة العرش واندفاع الشعب المغربي في مظاهرات هائجة جارفة، مطالبا بعودة جلالة الملك إلى العرش، ورغم عودتنا جميعا من باريس فإنه لم يتح لنا أن نتحدث في موضوع (لادينية الحزب) بصفة رسمية، بل أحسست أن هناك تملصا من إثارة هذا الموضوع في كل مرة حاولت فيها ذلك.
وفي إحدى جلسات المكتب السياسي أثرت المسألة فجرى بيني وبين صديق من مشايعي عبد القادر بن جلون الجدل التالي:
قال: إننا حزب ديمقراطي سياسي لاديني وبهذا الاعتبار قبلنا دخول اليهود معنا في الحزب، ودخلوا فعلا وغدا يدخل معنا مسيحيون مغاربة إذا وجدوا.
قلت: إن دخول اليهود معنا قبلناه باعتبار أنهم مغاربة لهم ما لنا من الحقوق وعليهم ما علينا من الواجبات اتجاه الوطن، وفيما يرجع لمسألة الدين فإن القاعدة الطبيعية بيننا وبينهم هي قاعدة القرآن: (لكم دينكم ولي دين)، وهي أعدل قانون نزل من السماء لإقرار سياسة (التعايش السلمي المشترك) بين سكان الأرض، وبناء على ذلك فإن دخول اليهود في حزب إسلامي لا يعني بحال من الأحوال حسبما أعتقد ولا يستلزم أن يتجرد الحزب من مبادئه الإسلامية ويصبح (حزبا لادينيا) لينسجم مع اليهود فنحن عندما نجتمع داخل الحزب لنتحدث في السياسة ونتخذ قرارات وطنية لا نتجرد عن ديننا أبدا، لا نحن ولا اليهود، والوجود الديني يظل قائما معنا داخل الجلسة ولا نتركه خلف الباب في انتظار خروجنا، ومن البديهي أن الأمر عندما يتعلق الأمر بمسألة إسلامية فهو موجه للمسلمين لا لليهود وكذلك العكس، أما إذا كانت المسألة وطنية بحتة فهو موجه للمسلمين واليهود على السواء.
قال: ولكن الحكومة لا يمكن أن تكون دينية في النظام الديمقراطي الحديث، وفيها وزير أو أكثر تختلف ديانته عن الآخرين، فإذا قلنا أنها إسلامية فهذا يستلزم أنه إذا ما يؤذن مؤذن العصر مثلا والحكومة منعقدة يجب عليها أن توقف الجلسة، وتنهض حالا لأداء الصلاة بجميع أعضائها؛ حتى الوزير اليهودي أو المسيحي.
قلت: إنك تتحدث كما لو كانت المشكلة تطرح الآن لأول مرة بيننا؛ مع أنها أثيرت منذ عشرات السنين في الدول العربية الإسلامية، ووجدت حلها سريعا، واتضح أنها ليست مشكلة، وهذا الحل مقتبس من قوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين) كما أسلفت، وهذا يعني أن الأمر بالصلاة أو الصيام أو الحج مثلا وجه للوزراء المسلمين دون غيرهم، ولم يحدث قط أن ألزم وزير مسيحي بالذهاب صلاة الجمعة بصحبة رئيس دولة إسلامية، كما أنه لم يخطر ببال الحكومة المغربية اليوم أن تطلب من الدكتور ابن زاكين أداء صلاة الجمعة مع جلالة الملك أو أن تمنعه من أداء صلاته بالبيعة يوم السبت، فالعبادات في كل دين خاصة بأصحاب ذلك الدين، والإسلام نفسه لم يجبر في يوم من الأيام اليهود أو النصارى باتباع شعائر المسلمين، اللهم إلا إذا أسلموا…
كان من الواضح أننا لم نعالج في هذه المناقشة -التي لم تطل بفضل تدخل أعضاء آخرين تعمدوا تحويل الموضوع ليلا يحتد الخلاف- إلا بعض مظاهر المشكلة، ولكن الذي أقلقني هو ما كان يبدو من أن مبدأ (النظام اللاديني) قد تسرب إلى أعضاء آخرين عن اقتناع أو تحزب أو عدم إدراك لخطورته، بحيث أصبحت أرى جانب معارضته الذي أمثله ضعيفا في المكتب السياسي، وإن كان قويا داخل الحزب» المغرب المسلم ضد اللادينية؛ د.إدريس الكتاني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *