نقد فكر الفيلسوف ابن رشد الحفيد نقد موقف ابن رشد في موضوع وجود الله وصفاته وخلقه للعالم

وأما موقفه العاشر من الصفات، فيتعلق بصفة الخلق، فالله تعالى وصف نفسه بأنه خالق وخلاق، ويخلق ما يشاء ويختار، وأنه خلق كل شيء، فهو سبحانه كثير الخلق ولا حد لقدرته فيه، وأنه على كل شيء قدير، كقوله سبحانه: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) سورة الفرقان: 2، و(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) سورة القصص: 68، و(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ) سورة الحجر: 86، و(قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) سورة الرعد: 16، هذه الصفة المعروفة من الدين بالضرورة، ومن العقل بالبديهة، نفاها ابن رشد وحرّفها من جانبين، عندما قال: (بل الحق هو أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد فقط)، وأما الموجودات الأخرى فهي صادرة عن العقول الأزلية ذات الطبيعة الإلهية. فبالنسبة للجانب الأول هو أن الله تعالى أخبرنا في كتابه أنه خلق العالم، لكن ابن رشد زعم أن العالم صدر عن الواحد -أي الله-، وأما الجانب الثاني فهو أن الله تعالى أخبرنا أنه كثير الخلق، ويخلق ما يشاء، وأنه خلق كل ما في العالم، من ملائكة وجن، ومن إنس وحيوانات وجمادات وغيرها من المخلوقات، لكن ابن رشد زعم أن الواحد-أي الله- لم يصدر عنه إلا واحد، وجعل معه آلهة شركاء له، صدرت عنها الكائنات الأخرى!!.
وزعمه هذا مُضحكٌ ومُبكٍ، وهذه من غرائب ابن رشد وعجائبه، ليس له فيه دليل من الشرع ولا من العقل، فأما من الشرع فقد سبق بيانه، وأما من العقل فهو زعم ليس من العقل ولا من العلم، وإنما هو ظنون وتخمينات، ورجم بالغيب، وقول على الله بلا علم، ساير فيه سلفه أرسطو وأصحابه. فالرجل -أي ابن رشد- لم يحترم الشرع ولا العقل، وخاض في موضوع لا يُمكنه تصوره تصورا علميا صحيحا، والحكم على الشيء جزء من تصوّره كما هو معروف، فكيف سمح لنفسه أن يخوض في أمر لا يُمكنه تصوّره ولا إدراكه؟؟.
والله تعالى هو الذي خلق العالم بأسره، وأوجد من الوحدة الكثرة، فقال سبحانه: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) سورة الأنبياء: 30. وهذا أمر قال به العلم الحديث في نظرية الانفجار العظيم، الذي أوجد الكثرة والنظام من الخلق الأول الذي حدث، فالكثرة الموجودة في العالم كلها حدثت بسبب الخلق الأول بدليل الشرع والعلم، وأما حكاية ابن رشد حول الواحد الذي لا يصدر عنه إلا واحد، والقول بالعقول الأزلية المتصرفة في الخلق، فهي حديث خرافة، من خرافات اليونان التي تبناها ابن رشد ودافع عنها، وخالف فيه الشرع والعقل والعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *