موقف غالبية الفرنسيين من الحجاب أو غطاء الرأس الذي ترتديه بعض المسلمات هو موقف غير مفهوم بالنسبة لبقية سكان العالم. ليس فقط غير مفهوم بل بغيض.
هذا ما عبرت عنه كريستين دلفي في مقال لها على “The Guardian” في 17 غشت 2016
وهنا ننشر ترجمة بالعربية للنص الأصلي:
أول إجراء صريح ضد المسلمين كان هو إصدار قانون سنة 2004 يمنع الفتيات من الذهاب إلى المدارس مرتديات غطاء الرأس الإسلامي، هكذا كان يسمى وقتها قبل أن يتحول في لغة الصحافة إلى (حجاب).
بيد أن الإسلاموفوبيا وكره الإسلام والمسلمين ليس حكرا على فرنسا: فهي منتشرة في أوروبا، أمريكا الشمالية وباختصار في كل العالم الغربي. الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عيّن الإسلام كعدو للعالم الغربي وهكذا وصل هذا العالم لتبرير احتلال وتدمير جزء كبير من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى منذ سنة 2000.
في فرنسا، بالإضافة إلى الأسباب الجيوسياسية (التحالف الفرنسي الأمريكي) فإن الإسلاموفوبيا لها جذور فرنسية محضة. الحملة الإيديولوجية ضد الإسلام بدأت منذ أزيد من أربعين سنة، وقد بيّن توماس دلتومب أنه بين سنة 1980 وأواسط 2000 لم يمرّ أسبوع واحد دون أن تنشر واحدة من الجرائد الأسبوعية المهمة عنوانا مثل “هل يجب علينا أن نخاف من الإسلام؟” أو “هل يتوافق الإسلام مع الديمقراطية؟”.
نفس هذا الهوس كانت تبديه الجرائد اليومية والإذاعات والمحطات التلفزيونية. الشيء الذي زاد الأمور سوءا مع مرور السنوات بعد أن ترسخ في أذهان الجماهير أن “الحضارة الغربية” مهددة من طرف الإسلام الذي يمثله خمسة ملايين من أبناء المهاجرين القادمين من إفريقيا الشمالية والذين هم غالبا مسلمون.
قانون 2004 الذي يمنع ارتداء غطاء الرأس في المدارس الحكومية مبني على اعتقاد أن الرموز الدينية تخالف العلمانية -أي العلمانية السياسية-. وهذا يستند إلى قانون 1905، هذا القانون يلغي الذي قبله (ويعود تاريخه إلى زمن نابليون) والذي كان يربط بقوة بين الكنيسة (الكاثوليكية خاصة) والدولة، وكان يمنح مكافآت للكهنة والقسيسين والحاخامات.
قانون 1905 وضع قاعدة جديدة والتي هي في الحقيقة قاعدة كل الدول الحديثة: لا دين للدولة -كل الآراء والمعتقدات الدينية أو اللادينية- وضعت على قدم المساواة. لا دخل للدين في شؤون الدولة ولا للدولة في شؤون الدين. وتشمل حريةُ الوعي حريةَ التعبير وهذه الحرية تعني أن الآراء -في أي موضوع كان- يمكن التعبير عنها في السر كما في العلن.
اليوم مع الأسف صار هذا القانون يستخدم ضد المسلمين، لأنه تعرض لإعادة تأويل متطرفة من قبل السياسيين والصحفيين واللوبيات. لقد تعرض هذا القانون كما يقول جون بوبيرو للتزوير. فهو يُقدّم على أنه يقول عكس ما تقرره القوانين الفرنسية والاتفاقيات الدولية.
الرئيس الحالي في آخر خطاب له خلال الحملة الانتخابية لسنة 2012، استخدم كلمات المعادين للإسلام المثيرين للجدل قائلا: “الدين في الحيز الخاص وحتى الحميمي”. لكن لا القانون الفرنسي ولا الاتفاقيات الدولية تفرّق بين الآراء الدينية وغيرها من الآراء: كلها يمكن التعبير عنها علنًا. ولكن اليوم، إعادة تأويل قانون 1905 تقتضي منع التعبير عن الدين إلا في إطار الخصوصية داخل الحمّام.
حتى من قبل قانون 2004 الذي أقصى المراهقات اللاتي يرتدين غطاء الرأس من المدارس -مغتصبا بذلك حقهن الأساسي في التعليم- الجماعات النسوية الرسمية لم تكن تقبل بالنساء المحجبات في اجتماعاتها. لقد قررن -في وقت مبكر- أن هؤلاء النساء لا يمكن أن يكنّ نسويات مثلهن، بل وأنهن ضد كل ما تمثله الحركة النسائية.
واحدة من المفارقات العجيبة في موقفهن حين حاولن إخراج نساء يلبسن غطاء الرأس من إحدى المظاهرات ..المطالبة بالحق في الإجهاض سنة 2005! سنة 2003 النسويات البيضاوات قررن أن غطاء الرأس هو “رمز للاضطهاد” ولا شيء غير ذلك وبالنسبة لهن ارتداء رمز الاضطهاد والاستبداد يعني شيئا واحدا: أنك مع الاضطهاد.
هؤلاء النسويات البيضاوات لم يسبق لهن أن تساءلن عن رمزية ما يرتدينه هن، فقط عدد قليل من النسويات اللاتي عارضن هذا القانون العنصري تساءلن إذا ما كان الكعب العالي وأحمر الشفاه والمئات من علامات الأنوثة الأخرى يمكن تسميتها “رموزا لاضطهاد المرأة”. المجموعة الأولى -التي أيدت القانون- لم يسبق لها أيضا أن ناقشت التأويلات المختلفة التي يمكننا إعطاؤها لنفس اللباس، ولا سألن النساء اللاتي يرتدين غطاء الرأس أي معنى يعطينه.
هذا الاحتقار يتنافى مع واحد من مواقفهم الأساسية وهو أن هؤلاء النساء يرتدين الحجاب مجبرات من طرف رجالهن (أزواج، آباء، إخوة)، نفس هذا الموقف نجده في القانون أيضا: هذا الموقف متناقض حيث تدعي النسويات أن هؤلاء المراهقات تفرض عليهن عائلاتهن الحجاب وفي نفس الوقت يدعمن قانونا يقصيهن من المدرسة ليرسلهن إلى هذه العائلات التي تضطهدهن.
لو كانت النسويات البيضاوات يرين النساء اللاتي يرتدين غطاء الرأس كنساء مضطهدات، بعيدا عن اتخاذ الأمر ذريعة لإقصائهن من المدرسة ومن الجمعيات النسوية، لكان يجب أن يكون ذلك سببا لاحتوائهن. تصرف هؤلاء النسويات البيضاوات يطرح سؤالا: هل يرين هن أنفسهن كنساء مضطهدات؟ أم يعتبرن أنهن تجاوزن اضطهادهن وطرحنه على الأرض كما تطرح الحية جلدها البالي؟ هل يضعن في اعتبارهن إمكانية تقديم خدامتهن لنساء أخريات غير قادرات على خدمة أنفسهن لأنهن» محبوسات «؟
في الحقيقة هن لا يرين هؤلاء النساء المحجبات فقط كضحايا موافقات لرجالهن بل كمعاونات لهم: بمعنى آخر، كخائنات أو بالأحرى كسفيهات.
النساء اللاتي يرتدين غطاء الرأس الإسلامي هن في الغالب بنات أو حفيدات للمهاجرين القادمين من شمال إفريقيا، الجزائر، المغرب وتونس. وهذا يعني الأراضي التي احلتها واستعمرها الفرنسيون. الذين منحوهم حالة “آنديجين”. خلال فترة الاحتلال كاملة، والتي استمرت 130 سنة بالنسبة للجزائر، إذا كان “الآنديجين” يُعتبرون فرنسيين فإنهم لم يكونوا مواطنين ولكن “رعايا” الإمبريالية الفرنسية.
هكذا عرفهم الفرنسيون وهكذا لا يزالون يرونهم:»ليسوا حقا «فرنسيين. وهكذا يريدونهم أن يبقوا. النساء كما الرجال يعانون من مظاهر هذه العنصرية. البيض عندما، نسألهم، يعبرون عن مشاعر سلبية للغاية اتجاه السود والعرب. ويتبنون مواقف إنكار تام للتمييز الذي تمارسه مجتمعاتنا الغربية على العرب والسود. النساء كالرجال يعانين أيضا من هذا التمييز وهن واعيات جدا بهذا المصير المشترك.
في ظل هذه الظروف، ارتداء شعار ديني يمكن أن يكون له عدة معان مختلفة، أو كلها في آن واحد: فقد يعني التضامن مع بقية أفراد المجموعة التي تعاني من الميز العنصري، وقد يعني محاولة للهروب من وضعيتهم الموضوعية باللجوء إلى الروحانيات التي يقدمها لهم الدين، أو الافتخار بجذورهم التي يعتبرها البيض مخزية، أو احتجاج صامت على الطريقة التي يعاملهم بها البيض، ومعان أخرى كثيرة.
لكن البيض، ومنهم عدد كبير من الناشطات النسويات، يرفضون أن يتفهموا وضعيتهن. ويستمرون بمطالبتهن بالتصرف كما لو لم يكنّ يتعرضن للتمييز والإهانة في كل يوم من حياتهن، كما لو كنّ كـ”كل الناس” أي كالبِيض. غير أنهن لسن كذلك، بل على العكس فهن ينتمين لفئة مضطهدة ومحرومة في المجتمع. أبناء وبنات المهاجرين الأفارقة المزدادون بفرنسا هم مواطنون اليوم لكنهم يعانون من البطالة أكثر مرتين من عامة السكان ويتعرضون للاضطهاد من طرف الشرطة والإهانة من قبل البيض.
وهكذا فإن العلمانية السياسية -العلمانية المحرفة عن معناها- تُستخدم لحرمان المسلمين من حقوقهم الأساسية، لأن المسلمين في فرنسا أغلبهم من العرب. وهذا يؤثر خاصة على النساء.
فباتت النساء المسلمات المحجبات يُحرمن تدريجيا -قانونا استثنائيا بعد قانون استثنائي- من معظم فرص العمل المدفوعة الأجر.
كما كتب سعيد بوعمامة سنة 2004، فإن النسخة الفرنسية من الإسلاموفوبيا ما هي إلا طريقة لجعل العنصرية الكلاسيكية محترمة لا أقل ولا أكثر. أن تدعم الناشطات النسويات هذه السلسلة من الإجراءات العنصرية -المفتوحة وغير القانونية- هو شيء مثير للقلق.
يجب على النسويات أن يفهن أن النساء اللاتي يرتدين الحجاب يشاركن الأخريات في القمع البترياركي الأبوي ويضاف إليها إعاقة التمييز العنصري. يجب عليهن أن يفهمن أن هؤلاء النساء -سواء ارتدين الحجاب أم لم يرتدينه- يرغبن في تطوير (فيمينيزم) حركة نسائية خاصة بهن منطلقات من وضعياتهن الخاصة. والتي ستأخذ بدون شك في اعتبارها ثقافتهن الإسلامية الأصلية. النسويات البيضاوات يساهمن في تفاقم واحد من أسوء شروخ المجتمع الفرنسي في حين أن هناك ضرورة ملحة لإصلاحه.