العلام*: في السياسة لا يمكن أن نأخذ الأمور على ظاهرها وإنما لا بد من العودة إلى ما لم يفصح عنه القرار والخطاب السياسي

كنت قد قرأت لك أنك قلت أن “تكرار هذه الخطابات (الملكية) التي تمتح من قاموس المعارضة، دون تحقيق أي نتائج، سيزيد من إحباط المغاربة”، في نظرك هل هذه الإعفاءات هي إجابة على هذا التخوف؟
نعم هي تجيب مرحليا على هذه التخوفات، ولكن إذا أعيدت نفس الأخطاء السابقة، فهذا مشكل، إذا اليوم أعفينا وزيرين تكنوقراطيين كحصاد، وتوعدنا بلمختار بمنعه من التعيينات اللاحقة، فالمفروض أن نفس الخطأ لا يتكرر وهو أنه لا يمكن العودة إلى نفس المنطق وهو تعيين أشخاص بدون حقائب بدون لون سياسي، لأن اليوم حصاد وبلمختار صحيح أنهما عوقبا إداريا، ولكن العقاب السياسي الذي من المفروض أن المواطنين يعاقبوا هذه العناصر التكنوقراطية، التي وضعتهم الحكومة هو غير ممكن، لأن بلمختار ليس له حزب يعاقبه من خلال الناخب وأيضا حصاد، إذا في جميع الأحوال المفروض أن هذا المنطق هو أنه لا يتم تعويض حصاد اليوم بوزير تكنوقراطي، المفروض أنه يتم تعويضه بوزير حزبي سياسي لأن هذه هي مبدأ الملكية البرلمانية وأن الحكومة تتحمل المسؤولية السياسية أمام المواطنين وتحمل المسؤولية الإدارية أمام الملك، لا يمكن أن نربط الحكومة فقط برضا الملكية ولكن يجب أن يرضى عنها الشعب.
هذا يجرنا إلى سؤال، وهو أن مجموعة من الشخصيات مرتبطة بشكل أو بآخر بمشروع “منارة المتوسط”، لماذا لم نرى أسمائها لا في لائحة الموقوفين ولا في لائحة المغضوب عليهم؟
هذا يرجع بنا إلى التاريخ القريب وهو المشكل الذي حصل بين الديوان الملكي وبين بن عبد الله، ومشكل تحالف التقدم والاشتراكية مع بنكيران وعدم تخليهم عن بعضهم، هنا لا يمكننا أن نجزم بأن فعلا كانت هناك رغبة في الانتقام، كذلك لا يمكن استبعاده، لأن الوردي كان المفروض هو آخر الوزراء الذي يمكن التخلي عنهم أو معاقبتهم، وأيضا لا أستبعد أن يكون نتيجة ضغط لوبيات الدواء واللوبيات التي تنشط في هذا المجال، إذن كل الأمر وارد، نحن في السياسة لا يمكن أن نأخذ الأمور على ظاهرها، وإنما لا بد من العودة إلى ما لم يفصح عنه القرار والخطاب السياسي.
كذلك كيف أنه مثلا أصل المشكل بدأ من داخل البحر والسمك وقتل محسن فكري ومع ذلك لم نرى أي مسؤولية لوزارة الفلاحة والصيد البحري، مرة أخرى يطرح السؤال أليس وزارة أخنوش مسؤولة عن هذا المجال؟
لكن في المقابل هل ترى هذه الإجراءات كافية؟
دعني أربط الأمر بمسبباته، كيف وصلنا إلى هذا الأمر؟ وصلنا إلى ذلك من خلال احتجاجات شعبية ومن خلال تضحيات، إذن الذين احتجوا والذين نبهوا الملك والمسؤولين إلى هذه الاختلالات الكبيرة في التدبير، منارة المتوسط أو مجموعة من الأمور. أين هم الآن؟ هل هم خارج أسوار السجن ينعمون ويتم الإشادة بهم كمواطنين صالحين رأوا الظلم ولم يرضوا به أم أنهم في السجون؟
إذن إذا لم تصاحب هذه الإجراءات، بإجراءات أخرى وهي إطلاق صراح المعتقلين فورا وربما الاعتذار لهم لماذا لا، إذا لم يكن هذا الأمر، فأعتقد أنها تبقى إجراءات ناقصة ولن تؤدي أي دور، حتى إذا أطلق عليها الصحافة الزلزال السياسي، فهو زلزال دون الدرجة الثالثة، درجة واحدة أو اثنان هي في الحقيقة لا تعتبر اليوم بزلزال.
ألا يمكن أن تكون هناك خطوة في الاتجاه الذي تتكلم عنه خاصة بعد مجموعة من المحطات منها خطاب الدورة التشريعية وهذه الإفادات الأخيرة واعتراف الملك بفشل النموذج التنموي؟
وأنا أحلل الواقع ما ينبغي أن يكون هو كثير، إذا ما تم إطلاق صراح المعتقلين، وتجاوز الاختلالات السابقة في التعيينات والمسؤوليات، وأن أشخاص يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم، كيف يعقل أن الوزير بلمختار لا حزب له ولا لون له ومع ذلك يتحمل وزن حكومة وحقيبة وزارية كبرى، ومع ذلك فهو بدون غطاء سياسي، إذا كنا سنعيد نفس الأمر فستبقى الأمور على مجرياتها وننتظر زلازل أخرى، كما كان يحدث في الجمهورية الثالثة في مصر، 80 حكومة في ظرف 80 سنة، يعني حكومة في عام، وبالتالي ننتج دائما اللااستقرار.
ختاما، وفي نظركم ما هي السيناريوهات للتشكيلة الحكومية المقبلة؟
هذا مرتبط بالأحزاب السياسية، وأيضا مرتبط بالعثماني وماذا سيفهم، هل سيفهم بأن هناك رغبة في إبعاد التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية وإدخال حزب الاستقلال، إذا فهم الأمر على هذا النحو فسيكون هناك تعديل شامل يدمج حزب الاستقلال ويبعد الحزبين السابقين، هذا السيناريو الأول.
السيناريو الثاني هو الابقاء على هاذين الحزبين وتقوية الجناح، الصقلي داخل التقدم والاشتراكية ثم نصل إلى خلاصة الحكومة بخمسة أحزاب، بحزب استقلال إضافي، إذن هذا الأمر أيضا وارد.
ثم الأمر الآخر الذي هو وارد أيضا هو أن التقدم والاشتراكية يعلن في بلاغ عدم رضاه عما يحدث وينسحب من الحكومة ويدخل حزب الاستقلال أو لا يدخل حتى، وبالتالي هذا أيضا سيناريو آخر ولكن كل السيناريوهات تعطينا أن حزب العدالة والتنمية سيكون ضعيفا داخل الحكومة لأنه سينتزع منه حليفه الذي هو التقدم والاشتراكية، حتى إذا تم تطعيمه بأشخاص آخرين فهم من التيار المناوئ لابن عبد الله، الوردي، وبالتالي سينضمون إلى الجهة الأخرى، وأيضا حزب الاستقلال اليوم هو متحالف مع الجهة المناوئة لحزب العدالة والتنمية، أقصد العدالة والتنمية جناح بنكيران، وإلا فإن جناح الوزراء داخل حزب العدالة والتنمية أصبح اليوم في تناغم مع الأحزاب الأخرى.
ـــــــــــــــــــــــــ
* د.عبد الرحيم العلام: باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *