المشترك العقائدي بين التشيع والتصوف (ح2) إبراهيم الصغير

كنا قد تطرقنا في الحلقة الماضية إلى ثلاث نقط يجتمع عليها أهل التشيع و غلاة التصوف كأساس صَلب لمذهبهم، وهي: تفضيل الأئمة والأولياء على الرسل والأنبياء، وادعاء علم الغيب و نزول الوحي على أئمتهم وأوليائهم.

ونواصل حديثنا في الحلقة الثانية عن مشتركات عقائدية أخرى بين الفريقين.

1– التقية الشيعية و الأسرار الصوفية:

التقية عقيدة شيعية يغطي بها المعممون حالة التناقض الصارخ والاختلاف الكبير في مروياتهم الدينية و توجهاتهم السياسية، وهي أداة فعالة لتسهيل التغلغل داخل المجتمعات المستهدفة، و بوابة كبيرة للخروج من كل المآزق الناجمة عن أسئلة المخالفين، وهي واجبة عند الشيعة لا يجوز تركها إلى يوم القيامة، وأن تركها بمنزلة ترك الصلاة، وأنها تسعة أعشار الدين، ومن ضروريات التشيع، ولا يتم الإيمان إلا بها، وليست رخصة في حال الضرورة، بل هي ضرورة في حد ذاتها، وتكون مع جميع المخالفين.

فالشيعة يتقون حتى في تعريف التقية التي لا تخرج عن كونها كذبا مفضوحا ونفاقا مكشوفا، وهذه بعض أقوال علمائهم وما ينسبونه إلى الأئمة في فضلها و مكانتها.

– يقول الصدوق: “اعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها بمنزلة من ترك الصلاة، ولا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله وعن دين الإمامية  وخالف الله ورسوله والأئمة”[1].

– يقول الخميني: “وترك التقية من الموبقات التي تلقي صاحبها قعر جهنم وهي توازي جحد النبوة والكفر بالله العظيم”[2].

– يذكر الكليني رواية عن أبي جعفر أنه قال: “التقية ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له”[3].

فالكذب والنفاق أساسا دين الرافضة، مما ولّد لديهم ازدواجية في الآراء وثنائية في الأقوال حتى صار عندهم في كل مسألة قولان متناقضان، كل ذلك تحت مسمى التقية.

التي انتقلت إلى غلاة الصوفية عن طريق التقليد الأعمى، ليجعلوا منها غطاء لأحاديثهم عن كرامات الأولياء التي تكاد تطير قلوب المريدين عند سماعها، فاتقوا عن بعض خرافاتهم ومرروا الغلو في التصوف تحت ستار الزهد والانقطاع للعبادة.

واستحدثوا لذلك مصطلحات غامضة مفاتيحها بيد أقطابهم وأوتادهم من قبيل اللغز، العبارة، الرمز، الإشارة، والأسرار… ضمن منظومة دينية لها ظاهر جلي وباطن مخفي.

– ينقل الشعراني عن سيده محمد الحنفي أنه قال: (وههنا كلام لو أبديناه لكم لخرجتم مجانين لكن نطويه عمن ليس من أهله)[4].

ـ يدعي الصوفية أن العلم الذي لم يبثه أبو هريرة رضي الله عنه في قوله: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين من العلم: أما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم)[5]. هو علم وحدة الوجود.

– وينقل الشعراني أيضا عن الجنيد أنه (كان يستر كلام أهل الطريق عمن ليس منهم، وكان يستتر بالفقه والإفتاء على مذهب أبي ثور، وكان إذا تكلم في علوم القوم أغلق باب داره، وجعل مفتاحه تحت وركه)[6].

– ورُوي عن الشاذلي أنه كان يقول: (امتنعت عني الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رأيته، فقلت:يا رسول الله، ما ذنبي؟ فقال: إنك لست بأهل لرؤيتنا لأنك تطلع الناس على أسرارنا)[7].

– يقول بعض عارفي الصوفية: (التقية حرم المؤمن، كما أن الكعبة حرم مكة)[8].

فالصوفية يتبعون الشيعة في إخفاء وكتمان معتقداتهم الباطلة وإظهار ما يريدون منها، حتى قسموا دينهم إلى دين للخواص وآخر لخواص الخواص عملا بعقيدة التقية الشيعية.

2- تكفير المخالفين:

تأخذ مسألة التكفير حيزا كبيرا في الموروث الروائي الشيعي،  مما جعل الشيعة في نفس درجة الخوارج أو أكثر، بفارق الوضوح و الضوابط عند الخوارج بخلاف الشيعة الذين لا يتورعون عن تكفير كل من خالف نحلتهم الفاسدة ومذهبهم المحدث، و أما من وافَقه منهم، وإن أتى الكفر أو قال به، فيُصنع له العذر، وتُلتمس له الحلول بقدر ما توضع التهم للمخالف.

– في بحار الأنوار، الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، لمحمد باقر المجلسي: “أن من لم يقل بكفر المخالف فهو كافر أو قريب من الكافر”[9].

فكفر المخالف لا اختلاف فيه بينهم، بل الاختلاف حول من لم يكفر هذا المخالف ويتردد في إخراجه من دائرة الإسلام و أمره محسوم أيضا.

– وفي “الحدائق الناضرة” ليوسف البحراني: “أن الأخبار المستفيضة بل المتواترة دالة على كفر المخالف غير المستضعف ونصبه ونجاسته”[10].

فتكفير المخالفين لدين الإمامية أمر مجمع عليه، ولا يقبل الجدال ولا النقاش فهو من لوازم الإيمان عندهم، ومن ضروريات مذهبهم تنفيذا لعقيدة الولاء والبراء القائمة على الإيمان بوجوب إمامة الأئمة من آل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ووراثتهم لأمر الدين وحدهم دون غيرهم من الخلفاء، وبعد تكفيرهم تَسِمُهم بالعامة تمييزا عنهم و تمييزا لهم.

وقد تبعهم في ذلك أهل التصوف، الذين ربطوا الحق بما هم عليه والباطل والضلال بمن خالف هواهم، فلم يترددوا في تكفيره ووصفه بأشنع الأوصاف.

– قال الأفلاكي: سأل الشيخ المحترم أوحد الدين الخوئي مولانا -يعني جلال الدين الرومي-: من هو الكافر؟ فقال مولانا: أرني المؤمن كي يَبِينَ الكافر! فقال الشيخ أوحد الدين: أنت هو المؤمن! فقال مولانا: في تلك الحال فكل من يضادُّنا فهو الكافر”[11].

– يطعن الغزالي في توحيد المسلمين، فيقول: (لا إله إلا الله توحيد العوام! ولا هو إلا هو توحيد الخواص)[12].

فتوحيد العوام الذي يثبت الربوبية والألوهية لله وحده وينفيهما عن غيره هو توحيد الرسل والانبياء وكلمته “لا إله إلا الله”، وهو في الفكر الصوفي دون توحيد الخواص الذي كلمته “لا هو إلا هو”.

– يقول محمد أمين الكردي: (وأجمع العارفون على أن من لم يصح له نسب إلى القوم فهو لقيط في الطريق)[13].

– وقد حكم المتصوفة على من قال: «الطرق الصوفية لم يرد بها كتاب ولا سنة» بالكفر فقالوا: )وإياك أن تقول: الطرق الصوفية لم يأت بها كتاب ولا سنة فإنه كفر)[14].

فالصوفية يكفرون من خالفهم، وعندهم أن من لم يكن له شيخ صوفي فالشيطان شيخه، ومن كان الشيطان شيخه فهو يتخبط في الكفر.

3- ادعاء العصمة للأولياء والأئمة:

يغلو الشيعة في الأئمة من آل البيت غلوا فاضحا، حيث يجعلونهم بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم تارة، ويرفعونهم فوقه تارة أخرى، فيعتقدون فيهم العصمة ويجعلونها شرطا لإمامتهم.

يقول محمد الريشهري: “الإمام المستحق للإمامة له علامات فمنها: أن يعلم أنه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، لا يزل عن الفتيا، ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو ولا ينسى، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا”[15].

– ينقل الكليني في أصول الكافي: (قال الإمام جعفر الصادق: نحن خزان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله تعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، ونحن حجة الله البالغة على من دون السماء وفوق الأرض).

– ويقول المجلسي: (الشرط الثاني في الإمام أن يكون معصوما، وإجماع الإمامية منعقد على أن الإمام مثل النبي صلى الله عليه وآله معصوم من أول عمره إلى آخر عمره ومن جميع الذنوب الصغائر والكبائر، والأحاديث المتواترة على هذا المضمون واردة)[16].

– ويبرر الخميني هذه العقيدة الباطلة بقوله: (لأن عصمة المعصوم إنما كانت بسبب المنزلة العالية والمقام المحمود الذي لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأيضاً بسبب خلافته التكوينية التي تخضع لولاياتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون)[17].

– ويقول المعمم عبد الله شُبَّر: (يجب أن يكون الواسطة بين الله تعالى وبين خلقه، نبيا كان أو إماما، معصوما وهذا ما تفردت به الإمامية.. ويجب في الحجة أن يكون معصوما من الكبائر والصغائر، منزها عن المعاصي قبل النبوة وبعدها على سبيل العمد والنسيان..)[18].

فالأئمة في الفكر الشيعي معصومون عصمة تامة كاملة، عن الكبائر والصغائر، منزهون عن السهو والخطأ والغفلة، بل هم منزلة لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل، على حد تعبير الخميني.

العصمة التي ستضفي شرعية على كل الروايات التي صنعها معممو الشيعة وألصقوها بالأئمة من آل البيت عليهم السلام.

وقد اتبعهم غلاة الصوفية في هذه الطريقة المبتكرة، فادعوا العصمة لأوليائهم وأقطابهم وجعلوها شرطا لصحة ولايتهم.

– يقول بن عربي شيخ الصوفية الأكبر (إن من شرط الإمام الباطن -الولي- أن يكون معصوما، وليس الظاهر إن كان غيره له مقام العصمة)[19].

– ويقول أبو الحسن الشاذلي: (إن من خواص القطب إمداد الله له بالرحمة والعصمة والخلافة والنيابة)[20].

– وينقل الدكتور عبد الحليم محمود كلاما لأبي بكر الواسطي المتوفى (320هـ) يقسم فيه المتصوفة إلى ثلاثة أقسام، يقول فيه (الناس على ثلاث طبقات:

الطبقة الأولى: منّ الله عليهم بأنوار الهداية، فهم معصومون من الكفر والشرك والنفاق.

والطبقة الثانية: منّ الله عليهم بأنوار العناية فهم معصومون من الصغائر والكبائر.

والطبقة الثالثة: منّ الله عليهم بالكفاية فهم معصومون عن الخواطر الفاسدة وحركات أهل الفضيلة)[21].

– وينقل أبو نعيم الأصبهاني عن ذي النون المصري وصفا للعارفين والمحبين، فيه: (..فليس للغفلة عليهم مدخل، ولا للهو فيهم مطمع، قد حجب التوفيق بينهم وبين الآفات، وحالت العصمة بينهم وبين اللذات..)[22].

فكل من الشيعة والصوفية يتفقون على ادعاء العصمة في أئمتهم وأوليائهم، حتى يتكمنوا من تمرير خرافاتهم تحت هالة من التقديس.

يتبع …

 

1- كتاب “الاعتقادات في دين الإمامية” للصدوق- 39 باب: الاعتقاد في التقية، (ص:107).

– المكاسب المحرمة (2/162).[2]

3 – الكافي للكليني (ج2 ص219[3] ).

[4] طبقات الشعراني (ج2 ص 183).

[5] إيقاظ الهمم لابن عجيبة الحسني (ص:145) ط: مصر.

[6] اليواقيت والجواهر للشعراني (2/93) ط: مصطفى البابي الحلبي، مصر 1378هـ.

[7] انظر الطبقات للشعراني (2/75).

[8] – اللمع لأبي نصر السراج الطوسي -مسألة في التقية- (ص303).

[9] – (65/281).

[10] – (5/177).

[11] انظر أخبار جلال الدين الرومي (ص:228)، نقلا عن مناقب العارفين للأفلاكي (1/515).

[12] هذه هي الصوفية، لعبد الرحمان الوكيل (ص:54).

[13] المواهب السرمدية (ص:3).

[14] الحديقة الندية في الطريقة النقشبندية، لمحمد بن سليمان البغدادي (ص:31).

[15] – ميزان الحكمة(1/122).

[16] حق اليقين للمجلسي (ص:39). نقلا عن كتاب: التصوف.. المنشأ و المصادر لإحسان إلهي ظهير، ص 127.

[17] الحكومة الإسلامية ( ص:47).

[18] – حق اليقين في معرفة أصول الدين (1/191).

[19] – الفتوحات المكية لابن عربي (3/183).

[20] – الصلة بين التصوف والتشيع (1/417).

[21] – غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية للنفزي الرندي (1/160) حاشية رقم2 لعبد الحليم محمود الطبعة الأولى 1970.

[22] – حلية الأولياء، لأبي نعيم (9/380).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *