“تجار الدين” واستهداف التراث.. (ن غ)

من بين الأمور المثيرة في “المتطفلين على التراث” أنهم يحاولون دوما التظاهر بأنهم أكبر المدافعين عن الدين، وأكثر الناس غيرة عليه، وأن غايتهم ومرادهم إبراز الوجه المشرق للتدين، البعيد عن الغلو والتطرف، والتوظيف السياسوي للجماعات الإسلامية، لكن الواقع يكذب ادعاءاتهم، ويكشف أنهم معاول هدم، سخرت لغرض واحد وهو استهداف التراث.

هذا الاستهداف الذي بات اليوم تجارة، يستجلب بها أفرادٌ ومؤسسات الأموال من جهات معروفة، وإذا اقترن الفكر بالمال، وصار تابعا له، فلا تسل بعدها ما يمكن أن يحدثه “تجار الدين” من فساد.

هؤلاء التجار، الذين يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي، لا تراهم يتحركون إلا في اتجاه واحد فقط، وهو استهداف الدين والتراث والعاملين لخدمته، فلا مهرجانات العار تحركهم، ولا الطقوس الشركية الموغلة في التخلف تثير حفيظتهم، ولا الطعن في سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- يخرجهم عن صمتهم..

ومقابل ذلك كله تجد “المتطفلين على التراث” قساة غلاظ مع العلماء والدعاة وكل من يسهم في نشر التدين في المجتمع، لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة، ولا يكادون يفوتون فرصة للنيل منهم إلا واستغلوها، ولا حادثة عرضية متعلقة بفرد إلا وعمموها على الجميع، عملا بقاعدة “ليس في القنافذ أملس”.

فالتناقض الصارخ عندهم بين التنظير والممارسة، بين دعوى الحوار والتسامح والموقف الحدي من التراث والعلماء، بين الولاء للادينيين والبراء من المحافظين، يكشف أن هؤلاء “المتطفلين” لديهم غاية وهدف محدد يسعون وراءه، لا يختلف على الإطلاق عن هدف العلمانيين في تدنيس المقدس وخلخلة المفاهيم والقناعات.

فمعظم خرجات “المتطفلين الجدد على التراث” لا تخالف كثيرا ما يقول به اللادينيون والعلمانيون، فتجدهم مثلا يقدسون العقل ولا يتوانون في تقديمه على النقل، ويتمسحون بالمقاصد ويقدمونها على الاجتهاد الشرعي، ويرون بتعدد قراءات النص الشرعي واختلافها، ويقولون بتاريخية الشريعة واختلال علل الأحكام.

وأكثر من ذلك فقد طالب أحدهم بتبديل الشريعة الإسلامية -وإن كانت معطلة في مجال التشريع- واستبدالها بشرائع نتولى نحن الاجتهاد في وضعها بدعوى أن الشرائع النبوية لم تعد صالحة لزماننا.

أضف إلى ذلك تكرارهم لشبه الفرق القديمة ومن عدَّهم علماء السنة والمذاهب الأربعة زنادقة، من مثل الطعن في أحكام قطعية في القرآن الكريم (الإرث، زواج المسلمة بغير المسلم، الحدود، التبرج..)، وسب الصحابة والتنقيص من قدرهم، والهجوم على أمهات كتب الحديث (البخاري نموذجا).

من أجل ذلك كله يرى عدد من الباحثين والمتخصصين في المجال الديني والفكري أن من يسمون بـ”متطفلين على التراث”، وإن كانوا أفرادا فهم يتقاطعون مع التيار العلماني في أمور كثيرة، ويشتغلون معه لتحقيق أهداف مشتركة، ولا يجب على الإطلاق التهاون معهم ولا النظر إليهم على أنهم نتوءات أو شذوذ، حيث كشفت تجارب في مصر وغيرها أن هذه النماذج تحظى بالدعم من جهات داخلية وخارجية، لإحداث الشرخ من الداخل والنيل من قاعدة المتدينين وصرفهم إلى نموذج بديل، نموذج ظاهره المحافظة على التدين وباطنه تكريس نموذج دخيل وافد في الفكر والسلوك والممارسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *