العلم الحديث والشذوذ الجنسي الشذوذ الجنسي: هل مرجعه إلى الهرمونات والمؤثرات البيئية أم هو سلوك منحرف؟

ما زال العلم الحديث يتخبط في محاولة لمعرفة ماهيّة هذا السلوك المنحرف من انجذاب بين طرفين، ويعتقد الكثيرون في الغرب أن موقف العلم موحّد وواضح؛ بسبب عرض وسائل الإعلام لبعض الأنواع من الأبحاث العلمية التي قد تُظهر بعد قراءة سطحية لها أن الشذوذ الجنسي ما هو إلا تنوع طبيعي للاتجاه الجنسي، إلا أن تلك الوسائل لا تُظهر في الوقت نفسه انتقادات العلماء لتلك الأبحاث، ولا الأبحاث التي تثبت غير ذلك، وهذا الموقف لوسائل الإعلام ما هو إلا جزء من تلك الثقافة الحالية وتخوّف شديد من هجوم جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات الشواذ جنسيًا، والتي أصبح لها في الوقت الحالي ثقل سياسي كبير في الغرب.

قبل عام 1973 كان الشذوذ الجنسي مُدرجًا في قائمة الاضطرابات النفسية في الكتيّب التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية “Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders “، والذي يُعتبر المصدر الرئيسي لتشخيص الاضطرابات النفسية في أمريكا وفي أغلب دول العالم، إلا أن ضغوط جمعيات الشواذ جنسيا قد تسببت في تشكيل لجنة لمراجعة موقف الكتيّب من الشذوذ الجنسي، وكانت تلك اللجنة خالية تمامًا من أي عالم معتقد بأن الشذوذ الجنسي اضطراب نفسي، وقررت اللجنة بسرعة لم يسبق لها مثيل في مثل هذه الحالات وبتعدّي الكثير من القنوات الشرعية المعتادة حذف الشذوذ الجنسي كاضطراب نفسي من الكتيب التشخيصي، إلا أنها احتفظت في الكتيب بحالة تعرف بـ”ego-dystonic homosexuality” والتي تُعرف بأنها عدم رضا الشخص عن اتجاهه الجنسي، بحيث يسبب له ألما نفسيا شديدا، ولكن سرعان ما اختفى حتى ذلك التعريف من الكتيب.
ومع ذلك، فإن إحدى الإحصائيات التي تمت بعد حذف الشذوذ الجنسي من الكتيب بأربع سنوات كشفت عن اعتقاد 69% من الأطباء النفسيين بالولايات المتحدة أن الشذوذ الجنسي “تكيّف مرضي”، كما كشفت إحصائية أخرى -أحدث عمرًا- عن اعتقاد أغلب علماء النفس في العالم بأن ممارسة الشذوذ الجنسي هي علامة من علامات المرض النفسي.
فروق تشريحية
حتى الآن، فإن الأبحاث العلمية في هذا المجال ضعيفة جدا؛ فهناك البحث الذي قام به العالم الشاذ جنسيا “Simon LeVay” عام 1991م، والذي توصّل فيه إلى وجود فروق في حجم الجزء الأمامي للـ”هايبوثلاموس” من المخ بين الرجال الشواذ والرجال الطبيعيين، إلا أن هناك انتقادا شديدًا بين العلماء لهذا البحث بسبب طريقة عمل البحث؛ بحيث جعل العلماء يتشككون في جدية نتائجه، كما أن عالم النفس الأمريكي “مارك بريدلوف” قام عام 1997م بنشر بحث مضاد أثبت فيه أن الممارسات الجنسية نفسها قد تُحدث تغييرات في تركيب المخ، وبالتالي فإنه لا يمكن لنا أن نفترض أن اختلافًا تشريحيًا بين الشواذ والطبيعيين هو دليل على كون الشذوذ الجنسي أمرًا موروثًا؛ حيث إننا لا نعرف ما الذي جاء بهذا الاختلاف من أصله.
الجين الشاذ
قام العالم الأمريكي “دين هايمر”، بإجراء بحث ادعى فيه: “إنه لاحظ وجود علامة جينية مميزة على “كروموسوم إكسX ” لـ33 من 40 شاذًا جنسيًا قام عليهم البحث”، فتلقفت وسائل الإعلام الغربية الخبر وادّعت بذلك أنه قد اكتشف الجين الشاذ، إلا أنها لم تذكر أن لا أحد من العلماء غيره قد استطاع تكرار نفس اكتشافه على أكثر من 400 شاذ جنسيا، كما أنها لم تذكر أن “هايمر” قد سبق واتهمه أحد زملائه بأنه قد عرض نتائج بحثه بشكل انتقائي.
ثم إنّه حتى لو اتضح في يوم من الأيام أن هناك قابلية موروثة للإصابة بالشذوذ الجنسي؛ فإن ذلك لا يعني أبدًا أن الإنسان سيُصاب به حتمًا؛ فمثله في هذه الحالة مثل القابلية الموروثة للإصابة بأمراض القلب مثلا؛ فإن سلوك الإنسان نفسه هو الفيصل الأخير في كون الإنسان سيُصاب بالمرض أم لا، فإذا امتنع الإنسان عن العوامل الأخرى المساعدة مثل التدخين وتناول الأغذية الغنية بالكولسترول وعدم ممارسة الرياضة، فإنه لن يصاب بأمراض القلب، وبالتالي فإن الشذوذ الجنسي سلوك واختيار.
مؤثرات بيئية
قد يكون تقبّل المجتمع الغربي لهذا السلوك، وتشجيع الأفراد على اكتشاف نوعية انجذابهم الجنسي هو ما يدفع كثير من الشباب في سن مبكرة إلى تجربة الجنس مع نفس الجنس من باب الاستكشاف، هذا الاستكشاف حين يحدث في سن مبكرة قد يعطل تطوّر النمو الجنسي للشاب، والذي يعتقد أنه طالما قد ارتاح لهذا السلوك فلا بد أنه شاذ جنسيا، وبالتالي يقبل نفسه على ما هي عليه دون محاولة التغيير.
يقول بعض العلماء: إن كثرة استغراق الإنسان في تخيّل نفسه وهو يمارس الشذوذ الجنسي في حد ذاته قد يقنع الإنسان الموجود داخل مجتمع يتقبل هذا الأمر بأنه شاذ جنسيا بالفعل.
إن الذين يدَّعون أن الشذوذ الجنسي أمر مفطور في بعض الناس، وأن مرجعه إلى بعض الهرمونات قول باطل لا دليل عليه صحيحا علما ولا شرعا، فقد عذب الله قوم لوط لما ارتكبوا هذه الفاحشة وطهر الأرض منهم فقال تعالى: “وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ” هود، ونحن نعلم يقينا أن الله تعالى هو صاحب العدل المطلق، فلو كان أمر ارتكاب فاحشة اللواط لا دخل للإنسان فيه، وإنما هو أمر فطر عليه، فيستحيل على من اتصف بصفات العدل المطلق المنزه عن الظلم أن يعذب من ابتلي بداء لا دخل له فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *