لهيب الأسعار ورهان السلم الاجتماعي

ذكرت تقارير ودراسات أن ارتفاع أسعار الغذاء والوقود من شأنه أن يؤجج الاضطرابات الاجتماعية في الدول النامية.

وأضافت التقارير نفسها أن الدول متوسطة الدخل، حسب تعريف البنك الدولي، من المتوقع أن تمثل ثلاثة أرباع الدول المعرضة لمخاطر كبيرة أو شديدة من الاضطرابات الاجتماعية.

فعدم القدرة على الحفاظ على السلم الاجتماعي، وحماية قوت المواطن اليومي، وبالخصوص المواطنين من الطبقات المتوسطة والفقيرة، الذين يشكلون الغالبية، سيأدي بالمجتمعات إلى منزلق الاضطرابات والمس بالسلم المجتمعي.

والمغرب بكل خيراته البرية والبحرية يعيش في الأشهر الأخيرة موجة غلاء غير مسبوقة مست أسعار المحروقات والمواد الغذائية والخضر الأساسية، وأثرت على القدرة الشرائية للمواطن، وتسبب في تدهور حالته الاجتماعية.

هذا التدهور للقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، قابله جمود للأجور، وارتفاع لمعدلات البطالة، وعقم في الحوار الاجتماعي، وتضارب في المصالح.

الغلاء اشتد على الرغم من استمرار إجراءات الدعم التي أقرتها الحكومة لفائدة مهنيي نقل السلع، بغرض الحفاظ على الأسعار في متناول المواطن المغربي.

هذا الوضع ولّد سخطا كبيرا في أسواق المغربية، وبين المواطنين، فضلا عن اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي، بالاحتجاج، والدعوات العاجلة لإيجاد حلول ناجعة، واستراتيجيات تحافظ على قدرة المواطن المغربي الشرائية وسلمه الاجتماعي.

كما انطلقت العديد من المسيرات الاحتجاجية، في العشرات من المدن، تنديدا بسوء الأوضاع الاجتماعية التي أصبح يعاني منها المواطن المغربي، وهو ما جعل العديد من الهيئات تدخل على الخط مستنكرة تلك الزيادات الغير مسبوقة.

وطالب المحتجون بتدخل الحكومة العاجل للحد من ارتفاع الأسعار، وحماية السلم الاجتماعي، والوضع المعيشي، والقوت اليومي للفئات الهشة والمعوزة والطبقات المتوسطة من المواطنين.

كما انتقد المحتجون تهاون حكومة الباطرونا مع الحد من انتشار الريع، ووقف الامتيازات، وقطع دابر الفساد المالي.

بعد هذه التحركات سارعت حكومة أخنوش لاتخاذ مجموعة من الإجراءات، حيث قامت بتحريك الجهاز الإداري (الولاة والعمال) لمراقبة الأسعار، والتصدي للمضاربات، كما قام القطاع الوصي بحوار مع مختلف المهنيين المعنيين للتوصل إلى توافقات يتم من خلالها الرفع من معاناة المواطنين، وبالتالي خفض الأسعار في المواد الأساسية، كما طالبت الجكومة المهنيين بوقف تصدير بعض المنتوجات نحو إفريقيا.

هذا القرار أحدث جدلا واسعا بين السياسيين والإعلاميين الذين انتقدوه بشدة، معتبرين أنه يحمل طابعا تمييزيا، وأنه يسير عكس دبلوماسية المغرب بالتمدد في العمق الإفريقي، وانتقد القرار أيضا بكونه كشف تغول رجال المال والأعمال في السياسة، وأن الحكومة لم تستطع الضغط على المهنيين، الذين لم يستجيبوا سوى لهذا المطلب بحكم أن التصدير لإفريقيا لا يخضع للعقود الإلزامية، عكس السوق الأوربية التي تفرض المتابعة القضائية في حالة الإخلال بالشروط المنصوص عليها.

فعلى الحكومة أن تجعل السلم الاجتماعي، والأمن الغذائي ضمن أولوياتها، وتضبط بدقة حاجيات السوق الوطني، حتى يتم الاستثمار أولا في توفير المتطلبات الوطنية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وذلك بضبط الحاجة الداخلية والطلبات الخارجية، فالمغرب أولا والعالم ثانيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *