المحلات التجارية والألعاب وثقافة الاستهلاك الفاحش أحمد السالمي

ظهرت في زمن العولمة وطغيان الرأسمالية بقيمها الليبرالية سلوكيات وظواهر جديدة وغريبة بالخصوص على المجتمعات الإسلامية، التي تحول نمط استهلاكها من التمتع والتنعم بنعم الله التي أصبغها علينا دون إسراف ولا تبذير، ولا شح وبخل، وحرمان للنفس والأهل والولد، إلى طغيان اللذة وإسكات غرائزها ومتطلباتها التي لا نهاية لها.

هذه السلوكيات الاقتصادية غير المنضبطة، والتي أصبحت سمة بارزة في أغلب المجتمعات، إن لم نقل كلها، تشكل عبئا اقتصاديا، على الأفراد، والأسر والمجتمعات، والدول.

فظهرت سلوكيات لا مبرر لها إلا إسكات صوت اللذة المنطلق من اللاوعي الذي تغذيه الصور والمقاطع المرئية واللوحات الإشهارية التي تجر الأفراد جرا نحو الاستهلاك الفاحش.

فنجد حتى الأفراد ذوي الدخل المحدود يتم حشرهم في زاوية الاستهلاك ثم الاستهلاك، الذي لا مبرر له، سوى التلذذ بنهم لا ينقطع، فالرأسمالية تجرهم إلى هذه السلوكيات جرا، وتهيئها لهم من خلال زرع السرف والإنفاق، وتخمة الاستهلاك، في اللاوعي بطرقها التي أنفقت المليارات على مراكز الدراسات والبحث للوصول إلى أنجعها، وأكثرها تأثيرا على السلوكيات البشرية.

فالرأسمالية أشعلت نار الإنفاق وغذتها بالتلذذ، كجعل المحلات التجارية تتخذ أشكالا معينة، وألوانا مختارة، وطرق عرض مثيرة كاستعمال الدمى ذات الأشكال والقوام المثير، فهي تخاطب الغرائز التي تغيب العقل، فيصبح الجيب لا رقيب عليه ولا حسيب، وتمتلك بذلك ال قدرة على الغرائز الاستهلاكية عند الأفراد، بل الشعوب.

كما تستخدم الرأسمالية أساليب أخرى للتمكين وفرض فلسفتها الاستهلاكية على شعوب العالم، حيث تبث غرائز الترفيه، واللعب، مستغلة بذلك حاجة البشر إلى التواصل وانفتاح بعضهم على بعض، وفرضت سيطرتها على كل منصات التواصل، واللعب لطرح الإشهار لأي شيء، حتى أصبح الإنسان كائن مستهلك لكل شيء في الأرض وحتى في الفضاء، والقادم أدهى وأمر.

كما تمكنت الليبرالية عبر سلاحها الفتاك “العولمة”، من جعل الكماليات ضروريات، وأصبح الإنسان يرهق نفسه لجني المزيد من المال لإشباعها، إما بطرق مشروعة كالعمل لساعات إضافية، أو مزاولة أكثر من مهنة، وإما بطرق غير مشروعة كالاتجاه للعب القمار، والاختلاس الأموال، والسرقة، وغير ذلك من الأفعال الحرام التي يجرم القانون بعضها، ويحمي البعض الآخر.

وحسب نظرة الباحثين في علوم الاجتماع والاقتصاد فإن تأصيل هذه النزعة الاستهلاكية المتوحشة ترجع في جذورها إلى القرن 17 بقارة أوربا الإمبريالية، حينما توسع الإنتاج وتطور بشكل متسارع، وأصبحت الرغبة ملحة في البحث عن أسواق ومستهلكين جدد، ومع بزوغ فجر الألفية الثانية أصبحت للاستهلاك مكانة مهمة في تحقيق الثروات للأفراد والشركات والحكومات والدول، وهنا كان دور التكنولوجيا الحديثة من اتصالات وتلفزيون وانترنت حاسما في نشر هذه الثقافة الاستهلاك في جميع أنحاء المعمور.

كما أنه بعد الحرب العالمية الثانية تم تكريس هذه النزعة الاستهلاكية الفاحشة من الدول الكبرى والتي من بينها الولايات المتحدة، التي رفعت سقف الإنتاج لتعويض الخسائر، ونشرت ثقافة الاستهلاك وقامت بغزو العالم بالدعاية التي نجحت إلى حد كبير في اختراق عقول ووجدان البشرية، وبذلك فرضت سيطرتها على التجارة العالمية بتجارتها العابرة للقارات، وأصبح الفرد في الدول المستهلة يعيش تحت رحمة سطوة الآلة الإعلامية للاستهلاك الفاحش، التي تغذي النزعة الاستهلاكية بدغدغة غرائز الإنسان، الذي يشعر بحاجته الضرورية لإشباعها، والشعور باللذة بعد تملكه لتلك السلعة والتي تدفعه المؤثرات إلى اقتنائها، حتى ولو اقترض من البنوك لتحقيق الاستهلاك، الذي تطورت مكانته ليصبح وجوديا في حياة الإنسان، هكذا يطحن الإنسان في رحى الاستهلاك الرأسمالي الفاحش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *