الفساد السياسي بالمغرب.. وسؤال التخليق عبد الصمد ايشن

أعادت متابعة برلمانيين ووجوه البارزة لعدد من الأحزاب والحساسيات السياسية، بسبب تورطهم في ملفات تبديد واختلاس أموال عمومية أو تهم الاتجار في المخدرات، ملف الفساد السياسي بالمغرب إلى الواجهة، خاصة أن القضاء بات يتحرك بسرعة وفعالية في إحالة ملفات الفساد على النيابة العامة وإصدار أوامر الاعتقال بعدها أو حجز الأموال والممتلكات، الأمر الذي يفرض مناقشة أبعاد الفساد السياسي بالمغرب ومختلف المتدخلين في بروز أو انكماش الظاهرة، وعلاقة الأحزاب السياسية والإدارة بهذه الظاهرة التي يجمع كل الفاعلين على آثارها الوخيمة على الاقتصاد والحياة العامة وصورة المغرب أمام العالم.

ولا يخفى على أحد أن دستور 2011 قد شدد على ضرورة محاربة الفساد ومحاصرته بالقوانين الفعالة، مثل إجبار من يتقلدون مناصب المسؤولية على التصريح بالممتلكات، ومحاربة الإثراء غير المشروع والكشف عن مصادر ثرواتهم، إلى جانب ربط المسؤولية بالمحاسبة وتعزيز آليات الرقابة والمواكبة، وترسيخ قيم الشفافية والنزاهة والحكامة الجيدة للحفاظ على الأموال العمومية وممتلكات الدولة، حيث أعطى الدستور للسلطة التنفيذية عدة آليات وأجهزة تستخدمها للحد من ظاهرة الفساد، وفق سياسة حكومية ناجعة تعتمد على الاستمرارية والتنسيق مع مؤسسات الحكامة والمراقبة والمجتمع المدني والقطاع الخاص قصد القضاء على ظاهرة الرشوة والتلاعب بالصفقات وغسيل الأموال، وتضارب المصالح، واختلاس الأموال العمومية.

أما القضايا المثارة أمام المحاكم والتي تورط فيها سياسيون وبرلمانيون ومنتخبون تبين أن هناك دينامية جديدة في محاربة الفساد، تطلبت إحداث نوع من التغيير على مستوى المؤسسات المعنية بمهام التخليق وحماية المال العام. وأن السياق الجديد جعل ثقافة جديدة تتشكل إزاء مواجهة الظاهرة. حيث اكتسبت الأحزاب السياسية الشجاعة والجرأة في أخذ مسافة من القضايا التي يتورط فيها سياسيون ينتمون إليها. وهو أمر إيجابي أصبحت معه تنأى بنفسها عن الدفاع عن أعضائها المتورطين في قضايا وتهم الفساد، عوض ممارسة الضغط والاستماتة في الدفاع عنهم في السابق، ومحاولة ربط ذلك بنوع من الاستهداف المقصود.

لكن الذي لا يمكن قبوله حسب عدد من المحللين هو التركيز على فساد المنتخبين والسياسيين، وكأن الفساد ظاهرة حزبية فقط، في حين أنها ظاهرة بنيوية في المغرب. إذ لا يمكن الحديث عن فساد رؤساء الجماعات الترابية، مثلا، بدون إثارة مسؤوليات رجال السلطة، وأي اختلال مالي أو تدبيري لا يمكن أن يحصل بعيدا عن أعين رجال السلطة الذين يمارسون سلطة رقابية في هذا الصدد.

لابد من الإشارة، إلى أن هناك تراجعا على مستوى الدور القضائي للمجلس الأعلى للحسابات في المرحلة السابقة، حيث تحول المجلس إلى مؤسسة للتدقيق والتقييم، في حين إن محاربة الفساد لا يمكن أن تتم بدون تفعيل المقاربة الردعية، أي إعمال وتفعيل المقاربة القضائية لردع المفسدين. كما هنالك انطباع عام بأن بعض المؤسسات والمقاولات ما زالت فوق المحاسبة، وأبوابها مغلقة في وجه قضاة المجلس، الذي تحول من حيث لا يقصد في الغالب إلى مؤسسة لتبخيس العمل السياسي والحزبي. الأمر الذي يفرض أن تكون محاربة الفساد وظيفة أساسية من عمل مؤسسات الدولة، بما فيها المجلس الأعلى للحسابات وغيره، بدون تهويل أو تهوين، لسبب بسيط هو أن المال العام يتعرض باستمرار للنهب بطرق شتى.

ففي ظل السنوات الأربع الماضية، فقد المغرب ما يزيد عن خمس نقاط في مؤشّر محاربة الفساد وتراجع مركزه عالميا إلى الخلف 21 درجة، حتى بات يحتل المركز 94 عالميا، بالرغم من وجود هيئة رسمية وقوانين وإجراءات ونيات حسنة في الخطابات الرسمية لمحاربته واجتثاثه. المغرب اليوم أمام رهان حقيقي لمحاربة الفساد الذي كانت تصل كلفته السنوية، قبل أربع سنوات، وهي في ارتفاع مستمر، إلى نسبة 5% من الناتج الداخلي الخام، أو ما يعادل خمسة مليارات ونصف مليار دولار سنويا، حسب أكثر التقديرات تواضعا وموثوقية.

لكن الفساد السياسي يبقى ظاهرة عالمية، لكون التقسيم الدولي للعمل والسوق يترك فراغات وهوامش لكل ذوي النفوذ، ما يجعلهم يربطون بتعسف بين سلطة المال والسياسة، حتى ينفذوا لمصالح ضيقة خاصة بهم. أضف لذلك نوعية الدينامية السياسية والحقوقية التي تعيش في بعض المرات تراجعات أو حسابات سياسية، تجعل من التساهل مع الفاسدين قاعدة في بعض الأحيان، ما يطرح تساؤلات عريضة حول ما إذا كانت هناك إرادة سياسية في القطع مع الفساد السياسي بالمغرب أم مجرد رغبة في تنقية مؤقتة لبيئة النظام السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *