نقدم للقارئ الكريم في هذا العدد جديد روايات د. حسن أوريد، رواية “الباشادور”، والتي خصصها د. أوريد لتناول أحداث من حياة أبي القاسم الزياني وزير ومؤرخ الدولة العلوية الذي عاش في القرنين 18 و19م.
وتناول أوريد هذه الأحداث تناولت روائيا، محاولا إظهار بعض الحقائق التاريخية لقراء الرواية، كما اهتم بالمسألة الثقافية أكثر من المسائل السياسية، يقول د. أوريد خلال تقديمه لروايته في مكتبة “الألفية الثالثة” بالرباط.
وأضاف أوريد متحدثا عن روايته “الباشادور”: “هُناك رسائل فقهية بالرواية قد تُزعج القارئ أو تُشعره بالملل، لكنني ارتأيت من الناحية التاريخية أنها قد تفيد، ويمكن أن تتصور إذا كان هذا العمل فيه جوانب مملة للقارئ، فكيف سيكون مُتعبا للكاتب، حقيقة أخذ مني هذا العمل قسطا كبيرا من الوقت والراحة”.
وبخصوص السياق الذي أصدر فيه الرواية كشف أوريد أن “الكتاب كان جاهزا لكني تركته جانباً مُتجنبا أي تهمة باطلة لأشخاص سيبدو لهم حينها كما لو أنه عمل منسق باللغة العربية وباللغة الفرنسية”، في إشارة إلى رواية صدرت بالفرنسية بعنوان “مؤرخ المملكة” قال أوريد إنه لا علاقة له بمؤلفها.
مكتبتك في القضية الفلسطينية
يعرَف إسماعيل راجي الفاروقي بمشروعه الكبير في “أسلمة المعرفة”، وقليل هم أولئك الذي يعرفون اشتغاله بتاريخ الاديان، خاصة بتاريخ اليهودية الذي له فيه كتابان “أصول الصهيونية في الدين اليهودي” و”الملل المعاصرة في الدين اليهودي”.
في الكتاب الأول، الذي بعنينا في هذا العدد، أي “أصول الصهيونية في الدين اليهودي”، لا يرجع إسماعيل راجي الفاروقي الصهيونية إلى جذورها الحديثة فقط، بل يغوص أعمق من ذلك باحثا عن جذورها القديمية.
إنها في نظره “حركة سياسية” ظهرت بعد انحراف التنوير الأوروبي، وهي أيضا “حركة دينية فكرية” قديمة جدا. فقبل أن تطرأ الصهيونية الحديثة على المرجعية الفكرية ليهود أوروبا، كانت لها قابلية في معتقدات اليهود نفسها.
تلك القابلية هي التي يسميها الفاروقي “صهيونية قديمة”، صهيونية أعرق خضعت لتحولات حكمها تاريخ اليهود، من بطريركية و”خروج” و”منفى” و”عودة” إلخ. أما الصهيونية القديمة قبل كل هذه التحولات، فهي تعني “الصهيونية في الأسفار الخمسة”، وهي “أقدم من الدين اليهودي بمعناه الملي الجغرافي. أصلها الدين العبري”، وهو “ما كان يدين به اليهود قبل سقوط أورشليم بيد البابليين”.
(الكتاب، الصفحات 7 و8 وصفحات أخرى)
فنون.. المقاومة بالأدب
“عشاق الحرية” رواية للروائي المغربي أحمد صبير الإدريسي، نشرها عام 2016، عن مطبعة “طوب بريس” بالرباط.
وقد خصصها لحدث بارز هو إبحار “أسطول الحرية الثالث” لفك الحصار عن الفلسطينيين في قطاع غزة، بمشاركة نشطاء من بلدان مختلفة.
وقال أبوزيد المقرئ الإدريسي في تقديمه للرواية، وقد كان مشاركا في الأسطول، إنه “حقيقة أعترف وأقر بأنني عشت هذه التجربة، لكنني لا أملك القلم، ولا أملك الأداة البيانية التي أصف بها تلك اللحظات التي استطاع هو بخياله الجميل الواسع لا أقول الجامح، وإنما السمح أن يصفها”.
وزاد أنه أثناء قراءة رواية أحمد صبري الإدريسي، “تساءل كثيرا من منا سافر فعلا في هذا الأسطول؟ أنا أم هو؟”..
وحيث أبو زيد “كل شاب مؤمن، كل محب للأدب، كل محب لفلسطين، وكل محب للرواية” على “قراءة رواية صبير الإدريسي، باعتبارها جميلة وبديعة”.
وكشف أن “القارئ سيجد فيها فلسطين، وتاريخ البحر المتوسط، والمقاومة، سيجد فيها الإنسان، الإنسان، الإنسان”.
نافذة على مشروع فكري
“المسألة اليهودية” عند مالك بن نبي (2)
(…)
لم يكن اليهود ليجدوا متنفسا لأساليبهم وحركتهم المنحرفة في هذه الحضارات، فهاجروا بعيدا باحثين عن أوساط “قابلة لليهود”، “قابلة لاستعمارهم”، ليجدوها في أوروبا المتخلفة آنذاك. هناك مارسوا الربا كسلوك اقتصادي منحرف، وظهرت أصناف من اليهود: “اليهودي المثقّف، واليهودي المواطن، واليهودي الحديث، واليهودي المتزمّت، واليهودي العالمي، واليهودي الذي رمى القناع”. تحكمت هذه الأصناف في المشهد الأوروبي، ووجهت الفعل الحضاري فيه حسب مضمونها الديني والفكري. لم يخل مجال من يد يهودية، وكان الاقتصاد أهم تلك المجالات. (راجع “وجهة العالم الإسلامي/ الجزء 2: المسألة اليهودية” لمالك بن نبي)
يجب ربط الاقتصاد بمرجعية أخلاقية، بمرجعية فكرية ودينية تحفِّزه. “الفكرة المركبة” هي السبيل الوحيد لتحويل “المال إلى رأسمال”، ورفع الإنتاج حتى لا يقع الركود (تساوي الاستهلاك والإنتاج) أو التخلف (الاستهلاك أكبر من الإنتاج) (راجع “المسلم في عالم الاقتصاد” لمالك بن نبي). الفساد الاقتصادي لليهود لا يؤهلهم لقيادة العالم، لأن فكرتهم الدينية فاسدة لا تؤهلهم لقيادة أنفسهم، فكيف بالعالم؟!
يراهن مالك بن نبي على الإسلام لإنقاذ العالم، إذ من شأن استئناف الحضارة الإسلامية أن يعيد الاستقرار للعالم، وينهي “النكسة” التي حلت به، والتي بدأت باستقرار جزء مهم من الشتات اليهودي في أوروبا. مشروع صاحب “شروط النهضة” يدور حول “استئناف الحضارة الإسلامية”، وحل “المسألة اليهودية” جزء منه. إلا أن هذه المسألة أصل في تفسيره للظاهرة الاستعمارية، استغلت “القابلية الأوروبية للاستعمار” قديما، كما استغلت قابلية بلدان أخرى لافراز تشكيل استعماري حديث. بلغة أخرى أكثر تبسيطا: “الانحراف اليهودي هو سبب التشكيل الاستعماري الحديث”.. الكيان الصهيوني نموذج منه فقط.
يتكثف هذا التحليل في قول مالك بن نبي: “إن القرن العشرين هو قرن اليهود والدولار والمرأة”. هذا في نظره مشروع واحد، لا منجاة منه إلا بحضارة الإسلام، وما ينقص هذه الحضارة هو “الفكرة الدينية المركبة”. وبهذا تتضح غاية ابن نبي من تنبيهه إلى “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”. إنه يبحث عن فكرة قادرة على التحفيز، يتحقق بها التركيب بين الإنسان والتراب والوقت لاستئناف حضارة خاصة، لا يرى ابن نبي حضارة نموذجية غيرها. حضارة فكرية قائمة على أساس ديني، ذلك هو السبيل لتماسك مجتمعها واستمرارها في الزمن (انظر “ميلاد مجتمع” لمالك بن نبي).