الصهيونية والمسألة اليهودية محمد زاوي  

يسقط الكثير من الباحثين في خطأ عدم التمييز بين: اليهودية واليهودية المحرفة والصهيونية، فتنتج عن ذلك عدة أخطاء معرفية أخرى، أبرزها:

– النظر إلى “اليهودية” كديانة ناضجة منذ البداية، لا كديانة متقدمة في الأديان التوحيدية، ما يجعلها تشكل مرحلة كتابية انتقالية من الوثنية إلى التجريد (الإبراهيمية سابقة عليها، واليهودية امتداد لها)، وهو ما تفسره وثنية اليهود.

– إهمال ما تعرضت له “اليهودية” من تحريف (“اليهودية المحرفة”) من قبل رجال التلمود والحاخامات بعدهم، ما جعل كتابتها عرضة لأهوائهم ومصالحهم.

– حصر المشكل في “الصهيونية” وحدها، والحقيقة أن “الصهيونية” إصلاح ديني ل”اليهودية” (ك”البروتستانتية” في علاقتها بالمسيحية/ عبد الصمد بلكبير)، تم تحريف مساره ليصبح رجعيا، بفعل فاعلين: المضمون الرجعي ل”اليهودية المحرفة”، المصالح الاستغلالية والإمبريالية للرأسمال المالي الغربي/ الأمريكي خاصة.

وإن كاتبا “موضوعيا”، رغم “إسرائيليته”، كإسرائيل شاحاك يثبت أن العنصرية الصهيونية ذات أصول في اليهودية المحرفة؛ فما تميزت به أطروحته، فضلا عن أنها تكشف عن مدى تأثير اليهودية المتطرفه في القرار الإسرائيلي، فإنها أرجعت عنصرية الكيان إلى أصلها أي “الإيديولوجية اليهودية الموجهة ضد غير اليهود جميعا”. إنها شهادة من خبير عاش داخل الكيان الصهيوني، ويقرّ أن “إسرائيل ليست دولة ديمقراطية بسبب إيديولوجية يهودية موجهة ضد غير اليهود جميعا، وضد اليهود الذين يعارضونها”. (إسرائيل شاحاك، وطأة 3000 عام، ص 21)

وبخصوص ما يميز هذه الإيديولوجية فيرصده شاحاك في السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، ويقول إنها تزداد خطرا في ظل تفاقم ثلاثة عوامل: “مواصلة تعزيز الطابع اليهودي ل”دولة” إسرائيل، ومواصلة تعزيز قوتها الخاصة النووية منها، وتنامي التأثير الإسرائيلي على المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية”. إنها إيديولوجية قائمة على التمييز، على عدة مستويات: حقوق الإقامة، وحقوق العمل، وحق المساواة أمام القانون، حق ملكية الأرض. وهي إيديولوجيا عنصرية تدعو ل”مجتمع مغلق غير مفتوح”، “تتساهل في المعتقد وتتشدد في التأويل”، “دوغمائية متشددة لا تسمح بأي تساهل في تطبق أحكام التلمود” إلخ. (نفس المرجع، ص : 21-23-26-53-69-76).

تؤثر هذه الإيديولوجية إلى حدّ بعيد في السياسة الإسرائيلية، ذلك أنها تخترق المجتمع قبل “الكيان”. فرغم أن “اليهود الإسرائيليين” ينقسمون إلى فئتين: اليسار والأحزاب الدينية؛ إلا أن التأثير اليمين المتطرف منتشر ويتفاقم، بل يخترق أحزابا أخرى لا تحسب على اليمين المتطرف، كحزب “الليكود” الذي يعرف بأنه “حزب الوسط”. يقول إسرائيل شاحاك في كتابه “الأصولية اليهودية في إسرائيل” إن “عدد اليهود المتأثرين بالأصولية اليهودية في تزايد مستمر” (إسرائيل شاحاك، الأصولية اليهودية، ص 33). ويبدو أن هذا الواقع قد تفاقم أكثر من ذي قبل، تعززه التهديدات المحيطة بالكيان الصهيوني في ظل تراجع الدعم الغربي وانشغال الولايات المتحدة الأمريكية بجبهات ومناطق جيوسياسية أخرى.

اليهود المتدينون في “إسرائيل”، يقول إسرائيل شاحاك، إنهم فئات ثلاث: الحريديم وهم الأكثر تطرفا وفيهم “الحريديم الأشكناز” القادمون من أوروبا الشرقية، و”الحريديم السفرديم (الشرقيين)” القادمون من الشرق الأوسط والمغرب العربي؛ ثم “اليهود المتدينون القوميون” وهم الأكثر اعتدالا. هناك تفاوت في التشدد بين السفرديم والأشكناز أيضا، فهؤلاء أكثر تشددا وعنصرية من أولئك، يعبر عنهم حزب “ياهدوت هاتراه” (يهود التوراة) فيما يعبر عن السفرديم حزب “شاس”. أما المتدينون القوميون فيعبر عنهم “الحزب الديني القومي” (نفس المرجع، ص 34).

يحتاج الواقع الحزبي الإسرائيلي إلى دراسة محينة اليوم، إلا أن الأمور ذهبت كما رصدها وتوقعها إسرائيل شاحاك. فاليمين المتطرف يعرقل اليوم كافة سبل السلام في المنطقة، وقد أصبحت له حظوظ من التأثير في القرار السياسي لم تكن له من ذي قبل. وذلك بعد تراجع اليسار في العالم بأسره، بما في ذلك يسار الكيان الصهيوني أي حزب “العمل”، الذي تحمّل عبء “السلام” باغتيال أحد أهم رموزه إسحاق رابين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *