علمانية “أتاتورك”.. ونهاية دولة الخلافة عبد الصمد إيشن

في الثالث مارس عام 1924م أصدر البرلمان التركي، بتوجيهات من مصطفى كمال آتاتورك رئيس جمهورية تركيا قانوناً رقم 431، يقضي فيه بإلغاء الخلافة العثمانية، تمهيداً لتطبيق منظومته الفكرية العلمانية.

كان أول تطبيق للعلمانية عام 1924 من قبل مصطفى كمال، واستمر على نهجه من خلفه من رؤساء حتى بدأ عصر أردوغان.

كان من إحدى المعاهدات التي وقعها مصطفى كمال مع الدول الأوروبية قبيل الإعلان الرسمي لإلغاء الخلافة هو توقيع معاهده لوزان عام 1923، التي تنص على:

-قطع كل صلة لتركيا بالإسلام.

-إلغاء الخلافة الإسلامية إلغاء تاما.

-إخراج الخليفة وأنصار الخلافة والإسلام من البلاد ومصادرة أموال الخليفة.

-اتخاذ دستور مدني بدلا من دستور تركيا القديم.

فاستبعدت علمانية مصطفى كمال الإسلام كليا عن معترك الحياة، ولم تكتفي بذلك بل قاومت وهاجمت الإسلام والمسلمين فقام بإغلاق المساجد، منع التدريس باللغة العربية، ومنع الحجاب، وإلغاء وزارة الأوقاف ومنع أي مظهر يمت للإسلام بصلة. فتم إبعاد الدين عن معترك الحياة كما لو أنه لم يكن هناك دين.

وتمادى مصطفى كمال في تهجُّمه على المساجد، فخفَّض عدد الواعظين الَّذين تدفع لهم الدَّولة أجورهم إِلى ثلاثمئة واعظٍ، وأمرهم أن يفسحوا في خطبة الجمعة مجالاً واسعاً للتَّحدُّث عن الشُّؤون الزِّراعيَّة والصِّناعيَّة، وسياسة الدَّولة، وَكَيْل المديح له. وأغلق أشهر جامعين في إِسطانبول، وحوَّل أوَّلهما وهو مسجد آيا صوفيا إِلى متحفٍ، وحوَّل ثانيهما، وهو مسجد الفاتح إِلى مستودع.

أما فيما يتعلق بالقوانين والقرارات العلمانية المتعلقة بالدين الإسلامي، يمكن القول إن مصطفى كمال اتبع أسلوباً تدريجياً في تطبيقها، وهي على النحو الآتي: ألغى الخلافة، ووزارة الشريعة والأوقاف وألغى المدارس الدينية، وحل المحاكم الإسلامية، وطرد جميع أعضاء الأسرة العثمانية من الدولة إلى الخارج بعد إزاحة السلطان عبد المجيد آخر سلطان عثماني، ثم حل منصب (شيخ الإسلام) وجميع الأجهزة المرتبطة به سواء أكانت شرعية أم قضائية وحلت المدارس الدينية، وألحقت المدارس كافة بوزارة مدنية، كما ربطت المؤسسة الوقفية بكل ملحقاتها وأبنيتها وأموالها غير منقولة إلى دائرة ترتبط مباشرة برئيس الحكومة، كما أن جميع المحاكم الدينية أغلقت وتوقف العمل بالقضاء الديني.

وتبنى أتاتورك التعليم العلماني عام 1924، وحظر الطربوش والحجاب وأي لباس ديني، وفرض القبعة واللباس الأوروبي، وأغلق التكايا والزوايا والطرق الدينية التي كان لها دور كبير في حرب التحرير الوطنية، ومنع إنشاء الجمعيات الدينية، ووصف منشئيها والمشتركين بها بالخيانة العظمى عام 1925.

ومع بداية عام 1926، بدأت تركيا العمل بالتقويم الميلادي، المستخدم في الغرب وألغى رسمياً العمل بالتقويم الهجري الإسلامي، وتبنى القانون المدني السويسري الذي راح يعلن المساواة بين الجنسين (المساواة في الميراث، الزواج المدني، حرية اختيار الدين، وإلغاء تعدد الزوجات)، وفى نهاية ذلك العام فرض أتاتورك السفور على النساء وحظر عليهن لبس الجلباب وألزمهن ارتداء الفساتين، وإلا قُدم أزواجهن وأقاربهن للمحاكمة.

وألغى مواد الدستور المتعلقة بالدين الإسلامي عام 1928، وألغى استخدام الحروف والأرقام العربية وقرر عوضاً عنها استخدام الحروف اللاتينية وأرقامها عام 1928.

ومنذ بداية عام 1932 بدأ قراءة القرآن الكريم في عموم تركيا باللغة التركية وخصوصاً في إستانبول، وفي عام 1933 أصبح الأذان للصلاة يُرفع باللغة التركية قبل عودته باللغة العربية في عهد رئيس الوزراء التركي الأسبق عدنان مندريس (1950-1960).

ومنع الحج إلى مكة المكرمة لغاية عام 1947، وطبق القانون الجنائي الإيطالي والقانون التجاري الألماني محل القوانين الإسلامية عام 1933، وفي الذكرى العاشرة لتأسيس الجمهورية التركية اتضح مدى التزامه الديني! حيث جُمعت المصاحف والكتب الدينية ووضعت على ظهور الإبل ليقودها رجل يرتدي الزى العربي متجها بها نحو الجزيرة العربية وعُلقت على رقابها لافتة تقول: “جاءت من الصحراء ولتعد إلى الصحراء وجاءت من العرب فلتذهب إلى العرب”، وكأن الإسلام من اختصاص الأمة العربية ومنسجماً مع مشاعرها القومية وليس مع مشاعر الأتراك القومية.

وفي عام 1934 أغلق جامع أيا صوفيا التاريخي في وجه المصلين، ليصبح مجرد متحفاً، وفي عام 1934 تم سن قانون الألقاب، وأصبح مصطفى كمال يلقب نفسه “أتاتورك أبو الأتراك” وفي عام 1935، جرى تبديل يوم العطلة الأسبوعية من يوم الجمعة الذي له قدسية في الدين الإسلامي، إلى العمل بأسبوع عطلة نهاية الأسبوع الأوروبية.

واستكمل أتاتورك “ثورته” عام 1937 قبل وفاته بإلغاء المادة التي تنص على أن الإسلام دين الدولة في الدستور. فبينما كانت المادة الثانية من دستور عام 1924 تؤكد أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، أصبح بموجب التعديل الثالث لعام 1937 المادة الثانية كالآتي: إن تركيا هي جمهورية ملية شعبية دولتيه علمانية ثورية، لغتها الرسمية التركية ومقرها أنقرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *