عرفت الساحة الثقافية والسياسية والإعلامية المغربية خلال عقود مضت صراعا بين معسكر يمكن أن نطلق عليه نعت إسلامي أخذ على نفسه مهمة الدفاع عن الدين والهوية، ومعسكر عَلماني تغريبي يتبنى العلمانية ونتاجها دون تفريق بين ما يتوافق منها مع الإسلام مما يتعارض.
واحتدم الصراع بينهما مع تنامي وتيرة الرجوع الواعي لأبناء المغاربة إلى الالتزام الفعلي بتعاليم الدين الحنيف، الذي تزامن مع سقوط الفكر الإلحادي الماركسي بشقيه الشيوعي والاشتراكي والذي هيمن على الثقافة والمثقفين ردحا من الزمن.
إلا أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يدعم الاشتراكيين والشيوعيين بالمال والكتب، انتقل العلمانيون من العلمانية الاشتراكية كعقيدة إلى اعتناق العلمانية الحداثية الرأسمالية دينا، يُحِلُّون ما وافق مصادرها وأدبياتها، ويحرمون ما خالف مقتضياتها ونظرياتها، إلا أن الأساس المشترك بين الماضي والحاضر هو إقصاء الدين ومحاربة التدين، بوصفهما عائقا في وجه الحداثة والديمقراطية والتقدم والتنمية، لما يشتمل عليه الدين من قيود وحدود، تحول دون تفجير الطاقات واستفزاز الإبداع لدى المواطنين –بزعمهم-.
ولأن المغاربة مسلمون متدينون -رغم تأثير قوة تيارات اللذة والشبهة عليهم- يحاول الكثير من الساسة والمثقفين تلميع صورة العلمانية في المغرب، وذلك بتقديمها كمُنتَج اشتركت فيه البشرية جمعاء، أي خلاصة ما توصل إليه فكر الإنسان بغية أن تجد علمانيتهم استحسانا وقبولا لدى الناس، مؤكدين أن العلمانية تحمي الدين وتقدسه، وترفعه حتى لا يسقط في مستنقع السياسة النتن، حيث تتصارع الأهواء وتتعارك المرجعيات، مركزين على ضرورة فصل الدين عن السياسة.
لكن مع توالي الأيام ومرور السنوات بدأ العداء العلماني يطغى بشكل استفزازي لكل مَن بقي في قلبه مثقال ذرة من إيمان، حيث لم يترك العلمانيون شيئا من الدين إلا طعنوا فيه، ولا عالما من السلف أو الخلف إلى سفهوه.
وقد بلغ من تنامي طغيان التيار العلماني أن بدأ يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفحات صحفه النتنة، دون زاجر من الجهات العلمية الرسمية، ألا يعتبر الاستهزاء بالله سبحانه في مجلة مشهورة كـ”نيشان” وسب الصحابة الكرام الأحداث ع 3362 /22-04-2008، وإنكار الحجاب الشرعي المعلوم من الدين بالضرورة استفزازا لمشاعر المسلمين جميعهم دون تمييز، ألا يعطي الانطباع لدى الشباب المتحمس بل حتى مَن مِن طبعه التريث والتؤدة أن الدولة قد تركت الدين في أيدي العلمانيين يلعبون بمشاعر المسلمين كيفما شاءوا.
لقد سئم الغيورون من تعدد جرائم العلمانيين في حق ديننا، وكبر الحنق في صدر الصغير قبل الكبير، وعلى الدولة أن تتدخل وهي تعرف كيف تتدخل قبل فوات الأوان.
فأي شعور بالغضب يحسه المسلم؟ عندما يقرأ في الصحف العلمانية المغربية أن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة سارق، وأن أبا هريرة كذاب، والبخاري كذاب جاهل.
إن الاحتماء بحرية التعبير، والتترس بالبحث العلمي من أجل ضرب مقدساتنا جبن وسفه، والقضية ليست فكرا أو تعبيرا، بل الأمر كراهية وعداء وبغض وحنق على كلِّ ما يستند إليه من يدعو إلى الإسلام من ماض تليد وقيمة حضارية أورثنا إياها مثل عبد الله بن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما، وحفظها لنا أمثال البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى، وبأمثالهم نفخر وإليهم نتشرف بالانتساب.
صرحت الأحداث في المقال الذي اتهمت فيه حبر الأمة بالسرقة: “نحن بحاجة إلى رفع هالة القداسة عن فقهائنا القدامي والمحدثين، لأن تقديسهم هو العقبة الكأداء في طريق تقدمنا”. والمقصود القرآن الكريم والسنة النبوية وهذا واضح مما تقدم، فقبح الله تقدما نقيمه على سب الله سبحانه وسب رسوله صلى الله عليه وسلم وسب أصحابه الكرام رضي الله عنهم.
إن هذه الحرب ضد الإسلام انتهجتها العلمانية في البلاد العربية منذ عقود من الزمن معتمدة فيها على رفع القدسية عن كل ما هو ديني يؤطر سلوك المسلمين ويمنحهم المناعة ضد تيارات التغريب، فكتبوا في ذلك مئات المقالات والكتب باسم “نقد التراث”.
واسمع لشاعر الحداثة والمحدِثين نزار قباني وهو ينشر كلاما لم تقرأ مثله في أقوال منافقي المدينة أيام كان الإسلام في بداياته، وبعد قراءتك لهذه الكلمات التي استلها من تراث أبي جهل وأمية بن خلف أنصحك بالوضوء، وأستسمحك أن لوثت سمعك وقلبك فحسبي أني أدافع عن ديني، يقول شاعرهم الحداثي في مجموعة (لا) صفحة 124:
(أطلِق على الماضي الرصاص..
كن المسدس والجريمة..
من بعد موت الله مشنوقاً، على باب المدينة
لم تبق للصلوات قيمة..
لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة..).
ويقول في ديوانه (لا غالب إلا الحب) صفحة 18:
(لا غالب إلا الشعب..
للمرة المليون لا غالب إلا الشعب..
فهو الذي يقدر الأقدار وهو العليم، الواحد، القهار..)
تعالى الله عما يقول السفهاء علوا كبيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل