المغرب لا يحتاج إلى قيم مستوردة فكفى من الإفساد؟

تميزت الأعوام الأخيرة التي أعقبت أحداث العنف والشغب بهجوم شرس على منظومة القيم الإسلامية للمغاربة، واستغلت أطراف كثيرة داخلية وخارجية حملة التصدي لأفكار التطرف والعنف لتُحْرِز مكتسبات لصالح إيديولوجياتها وبرامجها وقناعاتها على حساب دين وسلوك وهوية المغاربة، فأصبحت قيم التسامح تعني القبول بالانحرافات العقدية والسلوكية، وأصبح الاعتدال يعني أن لا يظهر الإنسان التزامه بأحكام الشرع، بينما صار الانفتاح هو أن تقبل بالفوضى في حياتك وترضى الفاحشة في أهلك وبناتك.

فهل كان المغاربة عندما كانت نساؤهم بالجلباب والنقاب والحايك، ورجالهم باللحية والجلباب ويمنعون بناتهم من إقامة علاقات جنسية خارج مؤسسات الزواج هل كانوا قبل هذا منغلقين متعصبين غير متسامحين؟ أم ماذا جد في الأمر؟
لا نظن مسلما يقول إن الزنا حرية شخصية، ولا نظن مؤمنا بالله يرى أن ما كان بالأمس دينا أصبح اليوم انغلاقا وتطرفا.
فالحجاب والردة والزنا مثلا، كانت بالأمس معلومة أحكامها من الدين بالضرورة، وتدرس في كتب الفقه، فكيف يمكن أن تصير المرأة المنتقبة والمتحجبة متشددة منغلقة؟ وكيف تصبح الردة عن الإسلام حرية اعتقاد؟ وكيف تمسي الزنا حرية شخصية؟
إن مثل هذا الانحراف لا يمكن أن يأخذ محله من الضمير الجمعي لشعب ما إلا إذا كانت هناك حرب وكيد وخيانة تحاك خيوطها في غرف مقفلة بعد تأمل ودراسة، ورصدت لها الآليات والوسائل للتنفيذ والتطبيق، وهذا ما وقع بالفعل في مغربنا الغالي، استشعره قبل وقوعه علماؤنا الأجلاء، فنصحوا الأمة وفضحوا الشرذمة الأولى التي نفذت التخطيط وأشعلت الحرب، وكان من أجل هؤلاء العلماء وأبرزهم العلامة محمد كنوني المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب، الذي كان يستنهض علماء المغرب في كل مناسبة للتصدي للملاحدة والضلال الذين استوردوا قيما معادية لقيم المغاربة ومعتقدات مناقضة لمعتقداتهم، فلنستمع إليه لنتلمَّس الصراع الذي كان يعرفه المغرب في تلك الآونة بين علماء الإسلام وأصحاب الدعوات الهدامة من العلمانيين الذين قويت شوكتهم في هذه الأيام حتى أصبحوا يدعون إلى الفجور والفسق والانحلال بالليل والنهار، يستقوون على المغاربة حكاما ومحكومين بالمنظمات الدولية والثقافة الكونية، التي هي في حقيقة الأمر ثقافة وقوانين الإنسان الغربي العلماني الذي ما زال دخان مدافعه يشم في ربى المغرب وجباله وسهوله، وما زالت آثار قنابله الجرثومية على أجساد المغاربة في الشمال، فلنستمع لعالمنا الجليل وهو يعاتب القاعدين من إخوانه العلماء: “إننا نعرف كثيرا من الإخوان العلماء لا يتحركون ولا يتحرقون بأعمالهم على ما أصاب المسلمين، ولا سيما شبابهم من الانحلال والانحراف عن تعاليم رب العالمين، فلماذا تركتم الفراغ للمفسدين في الأرض، والحاقدين على الإسلام، والذين يهاجمون كتاب الله الكريم، وحديث رسوله الصادق الأمين، ورفعوا القناع عن وجوههم القبيحة وفغروا أفواههم الخبيثة بعدما كانوا بالأمس يتسترون؟
لقد اتفقت مذاهبهم الهدامة وما أكثرها واتجاهاتهم المنحرفة وما أغزرها مع الاختلافات الواسعة بينهم على مهاجمة الإسلام وفي عقر داره، ولولا أن الله عز وجل تكفل بحفظ كتابه الكريم في قوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} سورة الحجر، لوقع ما لا تحمد عقباه”.
فمن يقصد مفتي العلماء بقوله: “المفسدين في الأرض، والحاقدين على الإسلام، والذين يهاجمون كتاب الله الكريم، وحديث رسوله الصادق الأمين”؟ فهل انقرضوا اليوم؟ أم ازدادوا عددا وعدة ونفوذا وصولة؟
وما هي هذه المذاهب والاتجاهات المنحرفة التي نعتها العلامة المذكوري بأنها تهاجم الإسلام في عقر داره؟ هل اختفت من المغرب ورحلت عنه؟ أم ما زالت تهاجم الإسلام وتمعن في إفساد أبناء المسلمين؟
كل هذه الأسئلة يجيبنا عليها هذا الواقع الأليم الذي أصبحنا نعيش فيه، وتجيبنا عليه مثلا صورة منشطة بعض برامج القناة الثانية بالأمس، زوجة مدير المركز السينمائي المغربي، التي عبرت عن مفهوم الحرية والاستقلالية والحداثة عندما خصت مجلة نساء من المغرب في نسختها الفرنسية بصورة لجسدها وهي عارية كما ولدتها أمها، وعلقت على هذا الفعل الحداثي بكون صورتها العارية سوف تصدم أناسا لكنها بالنسبة لأناس آخرين ستمنحهم نفسا حداثيا غير متوقع.
وفيما هي تتعرى على غلاف المجلة، يناضل زوجها في دعم أفلام العري والإباحية، من قبيل “حجاب الحب” و”كزانيكرا” وقبلهما فيلم “ماروك”.
إن أسئلتنا أعلاه تجيب عليها كذلك مواقف الذين دافعوا عن “حركة مالي”، وعن شواذ القصر الكبير، وكذلك الذين يبرمجون الأفلام التركية والميكسيكية والبرازيلية التي تنشر في أبنائنا وبناتنا قيم الحداثة من خيانة زوجية وحب الزنا وشرب الخمر وحرية الاعتقاد ولو كانت عقيدة الصليب أو عبادة الأوثان.
إن الذين عناهم العلامة المذكوري رحمه الله تعالى أصبحوا للأسف الشديد هم من يحدد للشباب ميولاتهم وأذواقهم ضدا على هويتهم ودينهم، أصبحوا في كل مكان من إداراتنا يفرضون علينا إسلاما غير إسلام المذكوري ومن جايله، إسلاما يستجيب لمعايير الكونية، التي لا تعترف بقيمة مطلقة ولو كانت وحدانية الله، ولا بحقيقة مطلقة ولو كانت وجوده، فلا تحرز لقب “مسلم معتدل” عند هؤلاء حتى تعتقد أن كل قيمك الأخلاقية وحقائقك الاعتقادية نسبية، ولن تكون متسامحا عندهم حتى تقبل بالتعايش مع الشواذ والسحاقيات ومع نساء يتعرين بالكامل، وتقبل بمن ينتهك حرمة شهر الصيام ويدعو الناس إلى انتهاكه.
إن أخشى ما أصبح المغاربة الغيورون يخشونه مع هذه الحيادية الغريبة هو أن يكون العلماء في مؤسساتهم قد رضخوا للأمر الواقع الذي فرضته هيمنة القوى العلمانية المستغربة، وأن يتركوا فريضة الذب عن دين الله حتى يبقى في معزل عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فهي وظيفتهم التي حددها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *